كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

غضب ابن أخي قيصر غضبا شديدا, وقال: أرني الكتاب، فقال له: وما تصنع به؟ قال: إنه بدأ بنفسه، وسماك صاحب الروم، فقال له عمه: والله إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر، أو كلاما هذا معناه، أو قال: أن أرمي بكتاب لم أعلم ما فيه، لئن كان رسول الله, إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق, أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكه.
__________
يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وهذا بعينه في الكتاب، فلو كان قرأه ما احتاج إلى السؤال عنه إلا أن يكون مبالغة في تقريره, "غضب ابن أخي قيصر"، كما أخرجه الحسن بن سفيان، وسعيد بن منصور، عن دحية قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، فقدمت عليه، فأعطيته الكتاب، وعنده ابن أخ له, أحمر, أزرق, سبط الرأس، فلما قرئ الكتاب نخر ابن أخيه نخرة، فقال: لا تقرأه، فقال قيصر: لم؟ قال: لأنه بدأ بنفسه، وكتب صاحب الروم، ولم يقل: ملك الروم، قال: اقرأ فقرئ الكتاب.
وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ من محمد رسول الله إلى عظيم الروم غضب أخو هرقل، واجتذب الكتاب، فقال له هرقل: ما لك؟ قال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم، قال: إنك لضعيف الرأي, أتريد أن أرمي الكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟ لئن كان رسول الله لهو أحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق، أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم، ذكره في فتح الباري في التفسير، وعند ابن سعد في كتاب ملكي عثمان تسمية أخي قيصر يناق.
قال البرهان: بفتح التحتية، وشد النون، فألف، فقاف, لا أعرف له ترجمة، والظاهر هلاكه على دينه, انتهى.
فيحتمل أن الأخ وابن الأخ وقع من كل منهما ما ذكر، ولفق المصنف من كل منهما ناسبا لابن الأخ ما ذكره بقوله: "غضبا شديدا، وقال: أرني الكتاب، قال: وما تصنع به؟ قال: إنه بدأ بنفسه"، وعادة العجم إذا كتبوا إلى ملوكهم بدءوا باسم ملوكهم، وهذا خلاف العادة، فلا يقرأ كتابه، "وسماك صاحب الروم"، ولم يقل: ملك الروم، "فقال له عمه: والله إنك لضعيف الرأي"، قليل العقل، "أتريد أن أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر" جبريل عليه السلام بالوحي من الله، "أو كلاما هذا معناه"، والحاصل أنه لا يرمي به خوفا من تعجيل العقوبة لو فعل، "أو قال: أن أرمي بكتاب لم أعلم ما فيه"، ولا يليق هذا بعقل الملوك، ثم تنزل معه زيادة في توبيخه على ضعيف رأيه؛ لأن الخبر من حيث هو يحتمل الصدق، فقال: "لئن كان رسول الله, إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكه"، أي: الروم، وكأنه أفرد الضمير باعتبار لفظ الروم, ومر أن الرواية: مالكهم بالجمع، زاد في رواية: ولكن الله سخرهم لي، ولو شاء

الصفحة 12