كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

ثم أمر بإنزال دحية وإكرامه, إلى أن كان من أمره ما ذكره البخاري في حديثه، انتهى.
__________
لسلَّطهم علي، كما سلط فارس على كسرى فقتلوه، ثم أخذ كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعه على رأسه، ثم قبله وطواه في الديباج والحرير، وجعله في سفط، "ثم أمر بإنزال دحية وإكرامه".
قال دحية: ثم بعث إلي من الغد سرا، فأدخلني بيتا عظيما فيه ثلاثمائة وثلاث عشرة صورة، فإذا هي صور الأنبياء المرسلين، فقال: انظر أين صاحبك من هؤلاء؟ فرأيت صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه ينطق، قلت: هذا, قال: صدقت.
رواه أبو نعيم وغيره "إلى أن كان من أمره ما ذكره البخاري في حديثه" من أنه رجع إلى حمص، وجمع عظماء الروم في دار له، وقال: يا معشر الروم, هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وإن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فقال: علي بهم، فقال: إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببت، فسجدوا له، ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل "انتهى".
أي: فيما يتعلق بهذه القصة، خاصة المتعلقة بدعائه الإيمان؛ لأنه انقضى أمره حينئذ، ومات أو أطلق الآخرية بالنسبة إلى ما في علمه وهذا أوجه؛ لأنه قد وقعت له قصص أخرى من تجهيز الجيش إلى مؤتة، ومكاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثانيا وهو بتبوك، وبعث به دحية أيضا، وإرساله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بذهب قسمه بين أصحابه، كما رواه ابن حبان.
وروى أحمد وأبو يعلى: قدم -صلى الله عليه وسلم- تبوك، فبعث دحية إلى هرقل، فلما جاءه الكتاب دعا القسيسين والبطارقة، وأغلق عليهم وعليه، فقال: إن هذا الرجل يدعوني، ووالله لقد قرأتم فيما تقرءون من الكتب، ليأخذن ما تحت قدمي، فهلم إلى أن نتبعه، فنخروا نخرة رجل واحد حتى إن بعضهم خرج عن برنسه، فلما ظن أنهم أن خرجوا من عنده، أفسدوا عليه الروم، قال: إنما قلت لأعلم صلابتكم على أمركم الحديث، وقد تقدم بعضه في غزوة تبوك، وأن إرسال الهدية وكتابته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعثه رسوله التنوخي، إنما كان لما أرسل إليه، وهو عليه السلام بتبوك، كما في الحديث، وبه جزم السهيلي.
قال في الفتح: روى ابن حبان أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه بتبوك يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم يجب، فدل على استمراره على الكفر، لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان، ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه، وخوفا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم: إني مسلم، فقال: كذب، بل هو على نصرانيته، ولأبي عبيد: كذب عدو الله ليس بمسلم، فإطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن، أي: أظهر التصديق، لكن لم يستمر

الصفحة 13