كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ملك فارس:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله.
__________
عليه، ويعمل بمقتضاه، بل شح بملكه، وآثر الفانية على الباقية، ولو تفطن لقوله -صلى الله عليه وسلم: أسلم تسلم، وحمل الخبر على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم، أو أسلم من كل ما يخافه، ولكن التوفيق بيد الله، واختلف الأخباريون: هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر، أو ابنه، والأظهر أنه هو "انتهى".
"وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى" بكسر الكاف وتفتح, لقب لكل من ملك الفرس، قال ابن الأعرابي: الكسر أفصح، واختاره أبو حاتم، وأنكره الزجاج، واحتج بأن النسبة كسروي بالفتح، ورده ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما الأصل كسره أو ضمه، كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام: تغلبي بفتحها، وفي سلمة كذلك، فلا حجة فيه على تخطئة الكسر.
قال في الفتح: ومعناه بالعربية المظفر "أبرويز"، بفتح الواو، وكسرها، ويقال له: أبرواز وآخره زاي معجمة كما في القاموس, ومقتضى قاعدته فتح همزته.
قال السهيلي في أوائل الروض: ومعنى أبرويز بالعربية المظفر، وهو الذي غلب على الروم حين أنزل الله: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] انتهى, فعلى هذا، فكل من لفظ كسرى وأبرويز معناه المظفر "بن هرمز بن أنوشروان"، وهو كسرى الكبير المشهور، الذي بنى الإيوان، وملك ثمانيا وأربعين سنة، وقيل: إنه الذي كتب إليه -صلى لله عليه وسلم.
قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنذر بأن ابنه يقتله، والذي قتله ابنه هو كسرى أبرويز بن هرمز, "ملك فارس"، ولفظه فيما أخرجه الواقدي من حديث الشفاء بنت عبد الله "بسم الله الرحمن الرحيم"، قال في فتح الباري: لم تجر العادة الشرعية، ولا العرفية بابتداء المراسلات بالحمد، وقد جمعت كتبه -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك وغيرهم، فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد، بل بالبسملة, "من محمد رسول الله" فيه البداءة باسم الكاتب قبل المكتوب إليه، وقد أخرج أحمد وأبو داود أن العلاء بن الحضرمي كتب إليه -صلى الله عليه وسلم- وكان عامله على البحرين: من العلاء إلى محمد رسول الله، فبدأ بنفسه، وعند البزار أنه -صلى الله عليه وسلم- وجه عليا وخالد بن الوليد, فكتب إليه خالد, فبدأ بنفسه, وكتب إليه علي, فبدأ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب على واحد منهما، وكتب ابن عمر إلى معاوية وعبد الملك، فبدأ بهما، وكذا جاء عن زيد بن ثابت إلى معاوية "إلى كسرى عظيم فارس، سلام" من عذاب الله "على من اتبع الهدى" الرشاد، "وآمن بالله ورسوله،

الصفحة 14