كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وروي أنه لما جاءه جواب كسرى قال: "مزق ملكه"، ولما جاءه جواب هرقل قال: "ثبت ملكه".
وذكر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر رحمه الله في فتح الباري عن سيف الدين قلج المنصوري، أحد أمراء الدولة القلاوونية، أنه قدم على ملك المغرب بهدية من الملك المنصور قلاوون، فأرسله ملك المغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة، وأنه قبله وأكرمه، وقال: لأتحفنّك بتحفة سنية، فأخرج له صندوقا
__________
"وروي أنه لما جاءه جواب كسرى، قال: "مزق ملكه"، ولما جاءه جواب هرقل، قال: "ثبت ملكه" "، فذهب ملك كسرى أصلا، وبقي ملك قيصر، وإنما ارتفع من الشام وما والاها، وعبر بالملك نظرا للظاهر، فلا ينافي أنهما معزولان عن الملك بحكم الإسلام، ولا يرد على هذا حديث الصحيح: إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر، فلا قيصر بعده؛ لأن المراد: لا يبقى قيصر بالشام، ولا كسرى بالعراق، كما نقل عن الشافعي، وقيل غير ذلك.
وفي حديث عبد الله بن حذافة: فلما بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم مزق ملكه" وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتيا بخبره, فبعث باذان رجلين بكتاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقدما المدينة بكتابه، فتبسم -صلى الله عليه وسلم- ودعاهما إلى الإسلام، وفرائصهما ترعد، ثم قال: "ارجعا عني حتى تأتياني الغد" , فجاآه الغد, فقال لهما: "أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة لتسع ساعات مضت منها"، قال: وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وإن الله سلط عليه ابنه شيرويه، فقتله، فانطلقا، فأخبراه، فقال باذان: إن يكن كما قال, فوالله إنه لنبي، ويأتي الخبر إلي بذلك يوم كذا، فأتاه الخبر كذلك، فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
عن الزهري: بلغني أن كسرى كتب إلى باذان أن رجلا من قريش يزعم أنه نبي فسر إليه، فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه، فذكر القصة، قال: فلما بلغ باذان أسلم هو ومن معه.
"وذكر شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري" في حديث هرقل من بدء الوحي، قال: أنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي، "عن سيف الدين قلج" بقاف ولام وجيم معناه سيف بالتركي "المنصوري، أحد أمراء الدولة القلاوونية أنه قدم على ملك المغرب بهدية من الملك المنصور قلاوون، فأرسله ملك المغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة، وأنه قبله وأكرمه"، وعرض عليه الإقامة عنده فأبى، كما في الفتح، "وقال: لأتحفنك بتحفة" بضم التاء وفتح الحاء.
وحكى الصغاني سكونها "سنية، فأخرج له صندوقا" بضم الصاد، وقد تفتح، وبالزاي

الصفحة 18