كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

في أثر من أرسله من عنده مع جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله، فلمَّا كانوا في وسط البحر غرقوا، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله -صلى الله عليه وسلم, وكانوا سبعين رجلًا عليهم ثياب الصوف، منهم اثنان وستون من الحبشة, وثمانية من أهل الشام، فقرأ عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن, سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى -عليه الصلاة والسلام، وفيهم أنزل الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82] إلى آخر الآية؛ لأنهم كانوا من أصحاب الصوامع.
__________
ستين نفسًا في سفينة "في أثر من أرسله من عنده مع جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فلمَّا كانوا في وسط البحر غرقوا"، يعني: ابنه والستين الذين معه، كما عند التيمي والبيهقي عن ابن إسحاق، ونجا أصحاب السفينة الأخرى، كما قال، "ووافى جعفر وأصحابه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكانوا سبعين رجل, عليهم ثياب الصوف, منهم اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام" كانوا عنده بالحبشة، وسمَّاهم قتادة، فقال: أبرهة، وإدريس، وأشرف، وأيمن، وبحيرًا، وتمام، وتميم، ونافع، وظن العز بن الأثير أن بحيرًا هو الراهب المشهور، والظاهر أنه غيره؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- إنما رآه في أرض الشام، وهذا إنما هو بالحبشة, وابن الجنوب من الشمال، ولا مانع أن يسمى اثنان باسم واحد.
قاله في الإصابة, "فقرأ عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن, سورة يس إلى آخرها"، بدل كل من كل, بناءً على المختار أن القرآن باللام للقدر المشترك بين جميعه وبعضه، وقيل: المعرَّف لجميعه، فهو بدل بعض من كل، "فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا، وقالوا: ما أشبه" ما أشد شبه "هذا بما كان ينزل على عيسى -عليه الصلاة والسلام"، لما علموه حين سمعوا القرآن من الأخبار عن عيسى ورسله والبعث, وغير ذلك من الآيات العجيبة، "وفيهم"، كما رواه ابن أبي حاتم وغيره، "أنزل الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ} أي الناس {مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} إلى آخر الآية؛ لأنهم كانوا من أصحاب الصوامع، والتي بعدها ثناء عليهم أيضًا، ولنزولها فيمن أسلم منهم غير الأسلوب، فلم يقل النصارى، كما قال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} ، فمن بقي على نصرانيته لا يوصف بأنه قريب للمؤمنين، فضلًا عن كونه أقرب، لا كما يتوهم الجهلة من الآية، وليس قول قتادة نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة الحق مما جاء به عيسى، فلمَّا بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- آمنوا به، وصدَّقوه مقابلًا لهذا، بل هو بمعناه غايته أنه أبهم أهل الكتاب، فيحمل على بيان ابن الزبير عند النسائي، وابن عباس عند الطبراني، وسعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم؛ أنها نزلت في أصحاب

الصفحة 24