كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم القبط، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
وبعث به مع حاطب بن أبي بلتعة، فتوجه إليه
__________
للأمر، أو بدل اشتمال منه، أو معطوف عليه بحذف العاطف، فلا يرد أن جواب الأمر حصل بقوله تسلم، أو جواب لأمر محذوف هو: وأسلم يؤتك، كما في رواية أخرى، فكرَّر الأمر للتأكيد، أو الأول للدخول في الإسلام، والثاني للدوام عليه "الله أجرك مرتين".
قال ابن المنير: مؤمن أهل الكتاب لا بد أن يكون مؤمنًا بنبينا -صلى الله عليه وسلم، لما أخذ الله عليهم من العهد والميثاق، فإذا بعث فإيمانه مستمر، فكيف يتعدّد إيمانه حتى يتعدّد أجره، ثم أجاب بأن إيمانه الأول، بأن الموصوف بكذا رسول، والثاني بأن محمدًا هو الموصوف، فظهر التغاير فثبت التعدد.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون تعدد أجره؛ لكونه لم يعاند كما عاند غيره ممن أضله الله على علم، فحصل له الأجر الثاني؛ لمجاهدته نفسه على مخالفة أنظاره، "فإن توليت فعليك" مع إثمك "إثم القبط"، والمراد: رعاياه الذين ينقادون له، سواء كانوا من القبط أو غيرهم، فنَبَّه بذكر طائفة على بقية الطوائف "يا أهل الكتاب" بواو وبدونها، كما أفاده البرهان، وقد صرَّح في الإصابة بأنَّ هذا الكتاب مثل الكتاب إلى هرقل, "تعالوا إلى كلمة سواء"، أي: عدل ونصف "بينا وبينكم"، نستوي نحن وأنتم فيها, صفة لكلمة مرادًا بها الجمل المفيدة، وفسرت بقوله: "أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فإن تولوا، فقولوا: اشهدوا بأنَّا مسلمون"، وختم الكتاب كما في الرواية، وحكمة كتب هذه الآية أنَّ القبط وعظيمهم نصارى، وقد جمع النصارى الثلاثة الأشياء المذكورة في الآية، فعبدوا غير الله، وهم اليعقوبية, فرقة منهم الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وأشركوا به في العبادة غيره؛ كالذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} ، و {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، فاتبعوهم في تحليل ما حرم، وتحريم ما أحل "وبعث به مع حاطب ابن أبي بلتعة"، بفتح الموحدة، وسكون اللام، ففوقية، فمهملة مفتوحتين القرشي، مولاهم اللخمي، المتَّفق على شهوده بدرًا، "فتوجه إليه" وحده.
ذكر السهيلي؛ أنه -صلى الله عليه وسلم، بعث معه جبرًا -بجيم وموحدة- مكبَّر, مولى أبي رهم الغفاري، وهو وَهْمٌ, فالذي في الاستيعاب والإصابة وغيرهما أن جبرًا كان من القبط، وأنه رسول المقوقس بمارية إليه -صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 28