كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

إلى مصر، فوجده بالإسكندرية، فذهب إليها، فوجده في مجلس مشرف على البحر، فركب سفينة إليه وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه، فلمَّا رآه أمر بإحضاره بين يديه، فلمَّا جيء به إليه، ووقف بين يديه، ونظر إلى الكتاب فضَّه وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيًّا أن يدعو عليَّ فيسلط علي؟ فقال له حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليه؟ فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت، فقال له حاطب:
إنه قد كان قبلك
__________
قال سعيد بن عفير: فالقبط تفتخر بأنه منهم, "إلى مصر" بدل الاشتمال من إليه على نية تكرار العامل، فلا يرد أن الفعل لا يتعدَّى بجر في جر، متحدين لفظًا ومعنًى, فلا يقال: مررت بزيد بعمر، وبخلاف مررت بزيد بالبرية، "فوجده بالإسكندرية، فذهب إليها، فوجده في مجلس مشرف" صفة، أي مطّلع "على البحر، فركب سفينة" وقصد بها "إليه، وحاذى مجلسه" مكان جلوسه، "وأشار بالكتاب إليه"؛ بأن جعله بين أصبعيه، وأشار به، "فلما رآه أمر بإحضاره بين يديه"، هكذا في رواية ابن عبد الحكم في فتوح مصر، ووقع في العيون: خرج حاطب إلى الإسكندرية، فانتهى إلى حاجبه، فلم يلبثه أن أوصل إليه الكتاب، ويحتمل الجمع بأنه لما خرج من السفينة لقيه الحاجب، فأوصله سريعًا إلى المقوقس؛ لعلمه بأمره بإحضاره، "فلمَّا جيء به إليه، ووقف بين يديه، ونظر في الكتاب فضَّه"، فك ختمه، كذا في كثير من النسخ بلا واو، وفي بعضها بها، وهي زائدة؛ لأنه جواب لما, "وقرأه، وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبيًّا أن يدعو علي فيسلط علي، فقال له حاطب: وما منع عيسى أن يدعو على من خالفه أن يسلط عليه".
زاد ابن عبد الحكم، فوج له المقوقس، "فاستعاد منه الكلام مرتين" لينظر هل يتلعثم، وكأنَّه جوز أن جوابه أولًا اتفاقي، "ثم سكت" لما أفحمه بالحجة، وعند البيهقي عن حاطب، قال: بعثني -صلى الله عليه وسلم- بكتاب إلى المقوقس، فجئته، فأنزلني في منزل، وأقمت عنده، ثم بعث إلي، وقد جمع بطارقته، وقال: إني سأكلمك بكلام، وأحب أن تفهمه مني، قلت: هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ فقلت: بلى هو رسول الله، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده، فقلت له: أتشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله، فما له حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يصلبوه، أن لا يكون دعا عليهم، بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله، فقال له: أحسنت, أنت حكيم جئت من عند حكيم، ولا يتوهم منافاة بين هاتين الروايتين، فإنه سأله بما ذكره المصنف حين جاء بالكتاب، ثم أنزله وأكرمه، ثم أحضره بعد مع بطارقته، فسأله عن هذا السؤال الثاني، ووعظه حاطب أوّل قدومه عليه لما سكت، "فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك" بمصر

الصفحة 29