كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وأما شعره الشريف -صلى الله عليه وسلم، فعن قتادة قال: سألت أنسًا عن شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فقال: شعر بين شعرين، لا رَجِل ولا سبط ولا جعد قطط, كان بين أذنيه وعاتقه.
وفي رواية للشيخين: كان رجلًا ليس بالسبط ولا الجعد.
__________
وكثر لحمه سابقته فسبقتُه. قال بعض المحققين: والحق أنه لم يكن سمينًا قط، ولا نحيفًا قط، غير أنَّ في الآخرة كان أكثر لحمًا، فغايته أن يراد بالبدانة قدر آخر كان أزيد بالخفّة ما دون ذلك، "وأمَّا شعره"، بسكون العين: جمعه شعور، كفلس وفلوس، وبفتحها, جمعه أشعار؛ كسبب وأسباب، وجمع تشبيهًا لاسم الجنس بالمفرد وهو مذكور, واحداته شعرة, "الشريف -صلى الله عليه وسلم"، أي: صفته في الرأس وغيره، وأمَّا صفة الرأس: فهو أوّل ما بدأ به المصنف من شمائله، فلا نسوّد وجه الطرس بنقله عن غيره.
"فعن قتادة" بن دعامة -بكسر الدال- الأكمه المفسر، السدوسي التابعي الشهير، "قال: سألت أنسًا عن شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: شعر بين شعرين"، أي: بين نوعين من الشعر, هما: الجعد والسبط، أي: بين الجعودة والسبوطة، كما يأتي, "لا رَجِل" بفتح الراء وكسر الجيم وفتحها، وسكونها، كما في المفهم، وزاد غيره: وضمها، "ولا سبط" بفتح فكسر وسكون أو فتحتين- أي مسترسل لا يتكسّر منه شيء، كشعر الهنود، "ولا جعد" بفتح الجيم وسكون المهملة- أي: منقبض يتجعد ويتكسّر؛ كشعر الحبش والزنج، "قطط" بفتحتين- كجسد على الأشهر، ويجوز كسر ثانيه، والجعد يَرِدُ بمعنى: الجواد والكريم والبخيل واللئيم، ومقابل السبط يوصف بقطط في الكل، فهو لا يعين المراد، فلذا وقع مقابلًا لسبط، والمراد: إن شعره ليس نهاية في الجعودة، وهي تكسره الشديد، ولا في السبوطة، وهي عدم تكسره وتثنيه بالكلية، بل كان وسطًا بينهما، وخير الأمور أوساطها.
قال الزمخشري: الغالب على العرب جعودة الشعر، وعلى العجم سبوطته، فقد أحسن الله تعالى برسوله الشمائل، وجمع فيه ما تفرّق في الطوائف من الفضائل أ. هـ.
ثم المراد بقوله: لا رجل, نفي شدة استرسال الشعر، بدليل قوله: "كان بين أذنيه" بالتثنية، "وعاتقه" بالإفراد، فلا ينافي إثباته في قوله: "وفي رواية للشيخين" وغيرهما عن قتادة، سألت أنس بن مالك عن شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم, لفظ البخاري ولفظ مسلم: قلت لأنس بن مالك: كيف شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال: "كان" شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفظ خ، ولفظ م، فقال: كان شعرًا "رجلًا ليس بالسبط"، أي: المنبسط المسترسل، "ولا الجعد"، أي: الشديد التكسر، بل فيه تكسر يسير، فهو بينهما، قال المصنف: فقوله: ليس إلخ ... ، كالتفسير لسابقه أ. هـ.

الصفحة 489