كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
بين أذنيه وعاتقه.
وفي أخرى: إلى أنصاف أذنيه. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة. رواه الترمذي وأبو داود.
__________
فهو المراد بالإثبات، فلا ينافي النفي، وكان "بين أذنيه وعاتقه" بالتثنية في الأوّل والإفراد في الثاني، أي: فليس فيه شدة ارتفاع ولا شدة استرسال، وفي رواية للشيخين عن قتادة عن أنس: كان يضرب شعره منكبيه، وللبخاري أيضًا: كان يضرب رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- منكبيه، "وفي أخرى" من حديث حميد عن أنس قال: كان شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم "إلى أنصاف أذنيه" جمع نِصف، أريد به ما فوق الواحد، أو أراد بالنصف مطلق البعض، وذلك البعض متعدد أكثر من اثنين؛ لأنه تارة إلى نصف الأذن، وتارة إلى دونه، وأخرى إلى فوقه، "رواه البخاري" في كتاب اللباس والزينة، "ومسلم" في صفة النبي، "وأبو داود والنسائي"، والترمذي في الشمائل، "وعن عائشة قالت: كنت أغتسل" أفادت الحكاية الماضية بصيغة المضارع استحضارًا للصورة الماضية، وإشارة إلى تكرره واستمراره، أي: اغتسلت متكررًا "أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم" برفع النبي عطفًا على الضمير المرفوع، ولذا أبرز, وجاز مع أن المضارع المبدوء بالهمزة لا يرفع الاسم الظاهر؛ لأنه تابع، فيغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، أو غلب المتكلم على الغائب، كما غلب في قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19] ، المخاطب على الغائب؛ لأن آدم أصل, وزوجه تبع، وهنا لأنَّ النساء محل الشهوة، وحاملات على الغسل، فكأنهن أصل، أو لأنَّ الأصل إخبار الشخص عن نفسه، أو لاحتمال أنَّ الماء معدًّا لغسلها، وشاركها المصطفى، أو من عطف الجمل بتقدير عامل، أي: ويغتسل معي، كما قيل في: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} وبالنصب على أنه مفعول معه, "من إناء واحد" زاد في رواية: من جنابة, "وكان له شعر فوق الجمة" بضم الجيم وشد الميم, "ودون الوفرة" بفتح الواو، وسكون الفاء "رواه الترمذي" في جامعه وشمائله بهذا اللفظ، "وأبو داود" في سننه، وكذا ابن ماجه بلفظ: فوق الوفرة دون الجمة، كما بَيَّنَه الحافظ العراقي في شرح الترمذي قائلًا: ورايتهما هي الموافقة لكلام أهل اللغة، إلّا أن تئول رواية الترمذي، وذلك أنه قد يراد بقوله: دون, النسبة إلى القلة والكثرة، وقد يراد بالنسبة إلى محل وصول الشعر، ورواية الترمذي محمولة على هذا التأويل، أي: إن شعره كان فوق الجمة، أي: أرفع في المحل، فعلى هذا يكون شعره لمة، وهو ما بين الوفرة والجمة، وتكون رواية أبي داود وابن ماجه معناها: كان شعره فوق الوافرة، أي: أكبر من الوفرة، ودون