كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

يعني: إن انفرقت بنفسها فرقها, وإلا فتركها معقوصة، ويروى: إن انفرقت عقيصته -بالصاد المهملة- وهي الشعر المعقوص.
وعن ابن عباس, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء،
__________
والشعر الخارج على رأس المولود من بطن أمه عقيقة؛ لأنه يحلق، ثم قيل للشعر النابت بعد ذلك عقيقة، لأنه منها، ونباته من أصولها، فهو مجاز مرسل، أو لأنه شبيه بها، فاستعارة، "يعني: إن انفرقت بنفسها فرقها وإلّا، فتركها معقوصة"، قاله القاضي عياض، ونحوه قول ابن الأثير، وإلّا تركها على حالها، ولم يفرّقها، وهو بناءً على أن، وإلّا، فلا كلام تامّ، وكذلك ما بعده، وإنه متعلق بمقدّر، كما أشرنا إليه، ومنهم من جعله كله كلامًا واحدًا، وفسَّره تارة بأنه لا يجاوز شحمة أذنه إذا ترك الفرق؛ فقوله: إذا هو وفَّره بيان لقوله: وإلّا, وأخرى: بأنه إن انفرق لا يجاوز في وقت توفير الشعر، قال: وبه يجمع بين مختلف الروايات في أنَّ شعره وفرة، أو جمة، فيقال: ذلك باختلاف أزمنة عدم الفرق والفرق، "ويروى إن انفرقت عقيصته -بالصاد المهملة- وهو الشعر المعقوص"، وهو نحو من المضفور، وأصل العقص الليّ، وإدخال أطراف في أصوله, والمشهور عقيقته، أي: بالقافين؛ لأنه لم يقعص شعره، قاله في النهاية، وبه ردَّ قول بعضهم رواية الصاد أولى، وقيل العقيقة: الشعر الذي مع المولود، فإن نبت بعد حلقه لم يسمّ عقيقة، واستبعده الزمخشري باقتضائه: إن شعر المصطفى كان شعر لولادة وتركه، وعدم حلقه يوم السابع، وعدم ذبح شاة، وإطعامها عيب عند العرب وشح، وأجيب بأنه من إرهاصاته؛ حيث لم يمكِّن الله قومه أن يذبحوا له باسم اللات والعزّى، ويؤيده قول النووي في التهذيب: إنه -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن نفسه بعد النبوة أ. هـ.
"وعن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسدل" بفتح أوله، وسكون السين، وكسر الدال المهلمتين، ويجوز ضم الدال، قاله الحافظ وغيره، وبالضم ضبطه الدمياطي في حاشية الصحيح، والمنذري في حاشية السنن، فاستفدنا أنَّ الرواية بالوجهين، "شعره"، أي: يترك شعر ناصيته على جبهته، لما في رواية للشيخين: سدل النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصيته، وإلّا فالسدل لغةً لا يخص الناصية، بل هو إرخاء الشعر وهو الأشهر, ومشددًا، "رءوسهم"، أي: شعر رءوسهم، "وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم"، وفي رواية: أشعارهم، "وكان يحب موافقة أهل الكتاب" اليهود، حين كان عبَّاد الأوثان كثيرًا، "فيما لم يؤمر فيه بشيء"، أي: فيما لم يخالفه شرعه إيجابًا، أو ندبًا، وقصره على

الصفحة 492