كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
ثم فرق -صلى الله عليه وسلم- رأسه. رواه الترمذي في الشمائل. وفي صحيح مسلم نحوه.
وسدل الشعر إرساله، والمراد هنا: إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة.
وأما الفرق: فهو فرق الشعر بعضه من بعض.
قال العلماء: والفرق سنة؛ لأنه الذي رجع إليه -صلى الله عليه وسلم، والصحيح جواز الفرق والسدل، لكن الفرق أفضل.
__________
الوجوب تقصيرًا، أو لم ينزل عليه فيه وحي، أو فيما لم يطلب منه وجوبًا أو ندبًا، "ثم فرق" بفتح الفاء، والراء- روي مخففًا ومثقلًا "صلى الله عليه وسلم- رأسه"، أي: ألقى شعره إلى جانبي رأسه، فلم ينزل منه شيئًا على جبهته، وإنما أحبَّ موافقتهم لتمسّكهم في زمانه ببقايا شرائع الرسل، والمشركون وثنيون، لا مستند لهم إلّا ما وجدوا عليه آباءهم. قال الحافظ: فكانت موافقتهم أحبّ إليه من موافقة عباد الأوثان، فلما أسلم غالبهم، أحبَّ حينئذ مخالفة أهل الكتاب. انتهى.
قال النووي وغيره: أو كان لاستئلافهم، كما تألَّفَهم باستقبال قبلتهم، وتوقَّف فيه بأن المشركين أولى بالتأليف، وردَّ بأنه قد حرص أولًا على تألُّفهم، ولم يأل جهدًا في ذلك، وكلما زاد زادوا نفورًا، فأحبَّ تأليف أهل الكتاب؛ ليجعلهم عونًا على قتال الآبين من عبدة الأوثان، وقال القرطبي: حبه لموافقتهم كان أولًا, في الوقت الذي كان يستقبل قبلتهم ليتألَّفهم، حتى يصغوا إلى ما جاء به، فلمَّا غلبت عليهم الشقوة, ولم ينفع فيهم ذلك, أمر بمخالفتهم في أمور كثيرة، كقوله: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالوفهم" أ. هـ.
"رواه الترمذي في الشمائل، وفي صحيح مسلم نحوه"، والبخاري في الصفة انبوية، واللباس بنحوه، ورواه في الهجرة بلفظ الشمائل، خلافًا لإيهام المصنف، وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه "وسدل" بفتح فسكون- مصدر سدل، كقتل "الشعر: إرساله"، ولا يقال: أسدل بالألف، "والمراد هنا إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة" بضم القاف وصاد مهملة- وهي شعر الناصية، يقص حول الجبهة، والمراد أنه كان يتركه على حاله، يشبه الشعر المقصوص، "وأمَّا الفرق: فهو فرق الشعر بعضه من بعض"، ولأبي داود، عن عائشة، قالت: أنا فرقت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه، أي: شعر رأسه عن يافوخه.
"قال العلماء: والفرق سنة؛ لأنه الذي رجع إليه -صلى الله عليه وسلم، والصحيح جواز الفرق والسدل" معًا، "ولكن الفرق أفضل" فقط؛ لأنه الذي رجع إليه، فكأنه ظهر الشرع به، لكن لا وجوبًا؛ لأن من الصحب من سدل بعد ذلك، فلو كان الفرق واجبًا ما سدلوا، وزَعْم نسخه يحتاج لبيان ناسخه، وتأخّره عن المنسوخ على أنه لو نسخ ما صار إليه كثير من الصحابة، ولذا قال