كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
قال الشيخ عبد الجليل في شعب الإيمان، فيما حكاه عنه الفاكهاني: إنما كان كذلك لأنَّ النساء يكرهن الشيب غالبًا، ومن كره من النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا كفر.
وقال في النهاية: قد تكرَّر في الحديث جعل الشيب ههنا عيبًا وليس بعيب، فإنه قد جاء في الحديث: إنه وقار وأنه نور،
__________
وتأوَّل ما ورد في ذلك أ. هـ.
"قال الشيخ عبد الجليل" القصري "في شعب الإيمان، فيما حكاه عنه" عمر بن علي بن سالم، بن صدقة اللخمي، الشهير بتاج الدين "الفاكهاني" أبو حفص الإسكندري، الفقيه المالكي، المتفنّن في الحديث والفقه والأصول والعربية والأدب, والدين المتين, والصلاح الوافر، والتصانيف العظيمة، وحج مرارًا، وُلِدَ بالإسكندرية سنة أربع، أو ست وخمسين وستمائة، وبها مات سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، "إنما كان" المصطفى "كذلك"، أي: قليل الشيب؛ "لأن النساء يكرهن الشيب غالبًا"، كما قيل:
رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر
وقل:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له من ودهن نصيب
وقال:
لو رأى الله أن في الشيب خيرًا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبًا
"ومن كره من النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا كفر"، وهو كان كثير النساء، فرحمهنَّ الله تعالى بعدم شيبه؛ ولأن فيه إزالة لبهجة الشباب ورونقه، وإلحاقه بالشيوخ الذين يكون الشيب فيهم عيبًا، لدلالته على الضعف، ومفارقة قوة الشباب والنشاط، "وقال في النهاية: قد تكرر في الحديث جعل الشيب ههنا عيبًا" في نحو قوله: ما شانه، "وليس بعيب" في نفس الأمر، "فإنه قد جاء في الحديث: أنه وقار، وأنه نور"، أخرج أبو داود عن ابن عمر مرفوعًا: "لا تنتفوا الشيب، لأنه نور الإسلام، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة"، وروى الترمذي والنسائي، عن كعب ابن مرة مرفوعًا "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة"، زاد الحاكم في كتاب الكنى، عن أم سليم: "ما لم يغيّرها"، وأخرج البيهقي، عن ابن عمر مرفوعًا: "الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلّا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة"، وروى ابن عساكر عن أنس مرفوعًا: "الشيب نور, من خلع الشيب فقد خلع نور الإسلام"، وللديلمي عن أنس رفعه: "أيما رجل نتفق شعرة بيضاء متعمدًا، صارت رمحًا يوم القيامة يطعن به"،