كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

والشيب ممدوح، وذلك عجيب منه, لا سيما في حق النبي -صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يجمع بينهما: ووجه الجمع أنه -صلى الله عليه وسلم- لما رأى أبا قحافة ورأسه كالثغامة، أمرهم بتغييره وكرهه، ولذلك قال: "غيروا الشيب"، فلما علم أنس ذلك من عادته قال: ما شانه الله ببيضاء, بناءً على هذا القول, وحملًا له على هذا الرأي. ولم يسمع الحديث الآخر، ولعلَّ أحدهما ناسخ للآخر. انتهى.
وفي رواية أبي جحيفة عنده، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه منه بيضاء, ووضع الراوي بعض أصابعه على عنفقته.
__________
وعند ابن سعد أن حجامًا أخذ من شاربه -صلى الله عليه وسلم، فرأى شيبة في لحيته، فأهوى إليها، فأمسك -صلى الله عليه وسلم- بيده، وقال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة".
"والشيب ممدوح" لهذه الأحاديث وغيرها، "وذلك" أي: جعله عيبًا "عجيب منه"، أي: من أنس -رضي الله عنه، "لا سيما في حق النبي -صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يجمع بينهما، ووجه الجمع أنه -صلى الله عليه وسلم- لما رأى أبا قحافة" بضم القاف ومهملة وفاء- عثمان والد الصديق، "ورأسه كالثغامة"، بمثلثة ومعجمة- مفرد ثغام؛ كسحاب, نبت يكون بالجبال غالبًا, إذا يبس يشبّه به الشيب، "أمرهم بتغييره وكرهه، ولذلك قال: "غيروا الشيب"، فلمَّا علم أنس ذلك من عادته، قال: ما شانه الله ببيضاء بناءً على هذا القول، وحملًا له على هذا الرأي"، وهو كراهة الشيب وطلب تغييره، وتقدَّم عن الحافظ حمله على أنه لم يغير شيئًا من حسنه، وهو أحسن من هذا، "ولم يسمع الحديث الآخر"، أي: جنسه المادح للشيب، وفي هذا النفي نظر؛ لأن أنسًا قد روى بعد أحاديث مدحه، كما رأيت، "ولعلَّ أحدهما ناسخ للآخر أ. هـ".
كلام النهاية: وفي ترجيه شيء؛ إذ لا يثبت النسخ إلّا بمعرفة التاريخ، "وفي رواية أبي جحيفة" بجيم فحاء مهملة، ففاء مصغر- وهب بن عبد الله السوائي -بضم المهملة، وخفة الواو، والمد، والهمز- من بني سواء بن عامر بن صعصعة، الكوفي، ويقال: اسم أبيه وهب أيضًا، صحابي مشهور بكنيته، وصحب عليًّا، وكان يحبه، ويسميه: وهب الخير، وجعله على بيت المال، وفي الفتح: كان يقال له أيضًا وهب الله، ووهب الخير، مات سنة أربعين وسبعين، "عنده"، أي: عند مسلم من طريق أبي خيثمة، وهو زهير بن حرب، عن أبي إسحاق, عن أبي جحيفة "قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهذه منه بيضاء، ووضع الراوي" لفظ مسلم، ووضع زهير "بعض أصابعه على عنفقته"، وفي رواية الإسماعيلي، عنه: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- شابت عنفقته. وفي البخاري عنه: رأيت النبي، ورأيت بياضًا تحت شفته السفلى، العنفقة.

الصفحة 499