كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
وفي حديث أنس عند البيهقي: ما شانه الله بالشيب، ما كان في رأسه ولحيته إلّا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة بيضاء.
وعن أبي جحيفة: كان أبيض قد شمط. رواه البخاري.
وفي الصحيحين: عن ابن عمر, أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بالصفرة.
__________
"وفي حديث أنس عند البيهقي: ما شانه الله"، أي: عابه "بالشيب"، والشين ضد الزين، وبابه باع، كما في المختار: "ما كان في رأسه ولحيته"، أراد بها ما قابل الرأس، فيشمل العنفقة والصدغين، فلا ينافي ما مَرَّ عنه عند مسلم، "إلّا سبع عشرة، أو ثمان عشرة شعرة بيضاء"، وعن أنس أيضًا: ما عددت في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحيته إلّا أربع عشرة شعره بيضاء، رواه الترمذي وغيره، وجمع بينهما؛ بأن إخباره اختلف باختلاف الأزمان، وبأن هذا إخبار عن عدِّه، وذاك إخبار عن الواقع، فهو لم يعد إلا أربع عشرة، وهو في الواقع سبعة عشر، أو ثمانية عشر، وردَّ بأن ما في الواقع يتوقف على العد، فلا يصح الجمع، نعم لو وقع الظن والتخمين موضع الواقع، لكان له وقع، وحصل به الجمع، ويجاب بأن كونه الواقع من حيث ثبوته عند أنس من غير، لا بعده هو، فالجمع صحيح، وروى ابن أبي خيثمة, عن أبي بكر بن عياش، قلت لربيعة: جالست أنسًا؟ قال: نعم، وسمعته يقول: شاب -صلى الله عليه وسلم- عشرين شعرة ههنا -يعني العنفقة، والجمع بينهما ما مَرَّ عند الحافظ: أنَّ ما شاب من عنفقة أكثر مما شاب في غيرها، كما دلَّ عليه مجموع الروايات، قال: وقول أنس لما سأله قتادة: هل خضّب؟ إنما كان شيء في صدغيه، أراد أنه لم يكن في شعره ما يحتاج إلى الخضاب، كما صرَّح به في روايات مسلم السابقة.
"وعن أبي جحيفة: كان أبيض قد شمط" بفتح المعجمة، وكسر الميم- أي: خالط البياض سواد شعره، فالرجل أشمط، والمرأة شمطاء، والاسم الشمط -بفتحتين، وفي اختصاصه بالرأس وعمومه فيه، وفي اللحية قولان في اللغة، قال الحافظ: وقد بَيِّنَ في الرواية التي تلي هذه، أي: في البخاري عن أبي جحيفة: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم، ورأيت بياضًا من تحت شفته السفلى -العنفقة، إن موضع الشمط كان في العنفقة، ويؤيده حديث عبد الله بن بسر المذكور بعده، ولمسلم عن أبي جحيفة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهذه منه بيضاء، وأشار إلى عنفقته أ. هـ.
"ورواه البخاري" في الصفة النبوية، "وفي الصحيحين" البخاري في الوضوء واللباس، ومسلم في الحج، "عن ابن عمر" في حديث: "أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصبغ".
قال الحافظ: بضم الموحدة، وحكي فتحها، وكسرها، "بالصفرة" ثيابه لما في أبي داود، كان يصبغ بالورس والزغفران حتى عمامته، وقيل: شعره، لما في السنن أيضًا، أنه كان يصفّر