كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وعن ابن عمر: إنما كان شيبه -صلى الله عليه وسلم- نحو من عشرين شعرة بيضاء، رواه الترمذي.
وروى أيضًا عن ابن عباس, قال أبو بكر: يا رسول الله, قد شبت
__________
بهما لحيته، ورجَّح عياض الأوَّل، وأجيب عن دليل الثاني باحتمال أنه كان مما يتطيّب به، لا أنه كان يصبغ بها، وذكر بعض أن الخضاب بالأصفر محبوب؛ لأنه مدح بقوله: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} ، ونقل عن ابن عباس، من طلب حاجة بنعل أصفر قضيت؛ لأن حاجة بني إسرائيل قضيت بجلد أصفر، فينبغي جعل النعل صفراء، "وعن ابن عمر" عبد الله, هكذا في نسخ، وهو الصواب الواقع في الترمذي، فما في نسخ من حذف ابن لا يعوّل عليه، "إنما كان شيبه -صلى الله عليه وسلم- نحوًا"، أي: قريبًا "من عشرين شعرة بيضاء"، بمعنى: إنه لا يبلغ العشرين، فهو كقول أنس: سبع عشرة، أو ثمان عشرة، "رواه الترمذي"، ولا ينافيه قول أنس أيضًا: ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة؛ لأنها نحو العشرين، لكونها أكثر من نصفها، لكن توقف عصام فيه، بأن لا دلالة لنحو الشيء على القرب منه، ووهموه، وأجاب عنه شيخنا بأنَّ مراده: لا دلالة على القرب من الكمال جدًّا، كتسعة عشر, بالنسبة إلى العشرين؛ إذ نحو الشيء ما زاد على نصفه، فيصدق بأحد عشر، كما يصدق بما زاد عليها إلى تسعة عشر، وخصوص المراد من هذا لا دلالة عليه، ولا ينافيه أيضًا قول عبد الله بن بسر: كان في عنفقته شعرات بيض. رواه البخاري، وهو من أفراده وثلاثياته، ومقتضاه: إنه لا يزيد على عشر، لا يراده بصيغة جمع القلة؛ لأنه خص ذلك بعنفقته، فيحمل الزائد على ذلك في غيرها، كما أفاده الحافظ.
وروى الحاكم في المستدرك، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن أنس قال: لو عددت ما أقبل من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيد على إحدى عشرة شيبة، وجمع العلَّامة البلقيني بين هذه الروايات؛ بأنها تدل على أن شعراته البيض لم تبلغ عشرين، والرواية الثانية: إن ما دونها كان سبع عشرة, فتكون العشرة على عنفقته، والزاد عليها في بقية لحيته؛ لأنه قال في الثالثة: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء، واللحية تشمل العنفقة وغيرها، وتكون العشرة على العنفقة؛ لحديث عبد الله بن بسر، والبقية بالأحاديث الأخر في بقية لحيته، وإشارة حميد إلى أنَّ في عنفقته سبع عشرة لا تفهم من نفس الحديث، وأمَّا الرواية الرابعة: فلا تنافي كون العشرة على العنفقة، والواحد على غيرها، وهذا الموضع موضع تأمل أ. هـ.
وكيف هذا مع قوله في الرابعة: في رأسه ولحيته, "وروى" الترمذي "أيضًا" من طريق عكرمة "عن ابن عباس" قال: "قال أبو بكر" الصديق: "يا رسول الله، قد شبت"، أي: ظهر فيك

الصفحة 501