كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
قال: "شيبتني هود والواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، إذ الشمس كورت".
وفي حديث جابر
__________
أثر الشيب والضعف، مع أنَّ مزاجك اعتدلت فيه الطبائع، واعتدالها يستلزم عدم الشيب، "قال: "شيبتني هود"، روي بالصرف أي: سورة هود, وبتركه على أنه عَلَم على السورة، ولا ينافي ذلك حديث أنس: أنه لم يبلغ الشيب؛ لأن مقصوده نفي احتياجه إلى الخضاب الذي سئل عنه؛ إذ الروايات الصحيحة صريحة في أنَّ ظهور الشيب في رأسه ولحيته لم يبلغ مبلغًا يحكم عليه بالشيب، "والواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت"، زاد الطبراني: والحاقة، وابن مردويه: وهل أتاك حديث الغاشية، وابن سعد: والقارعة، وسأل سائل، وفي رواية: واقتربت الساعة، وإسناد الشيب إلى السور، والمؤثر هو الله، إسناد إلى السبب، فهو مجاز عقلي، أو تنزيلًا للأسباب منزلة المؤثر، فالإسناد حقيقي، ولا ينافي أن التنزيل يقتضي التجوّز في المسند إليه، وروى ابن سعد أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: أنا أكبر منك مولدًا، وأنت خير مني وأفضل، فقال: " شيبتني هود وأخواتها، وما فعل بالأمم قبلي"، ووجه تشييب هود وأخواتها: اشتمالها على بيان أحوال السعداء والأشقياء، وأهوال القيامة، وما يتعسر، بل يتعذّر مراعاته على غير النفوس القدسية، كالأمر بالاستقامة، كما أمر الذي لا يمكن لأمثالنا، وغير ذلك مما يوجب استيلاء سلطان الخوف، لا سيما على أمته؛ لعظيم رأفته بهم ورحمته، ودوام الفكر فيما يصلحهم، وتتابع الغمّ فيما ينوبهم أو يصدر عنهم، واشتغال قلبه وبدنه وخاطره فيما فُعِلَ بالأمم الماضيين، وذلك كله يستلزم ضعف الحرارة الغريزية، وبها يسرع الشيب، ويظهر قبل أوانه، لكن لما كان عنده -صلى الله عليه وسلم- من شرح الصدر، وتزاحم أنوار اليقين على قلبه ما يسليه، لم يستول ذلك إلا على قدر يسير من شعره الشريف؛ ليكون فيه مظهر الجلال والجمال، ويستبين أن جماله غالب على جلاله، ووجه تقديم هود: إن كانت الواو لا ترتب، إلّا أنَّ تقديم الذكر لا يخلو عن حكمة، قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} ، فأمرهم بأعلى المراتب، ولا يستطيعها إلّا النادر، ولذا لم يذكر "شورى"؛ لأنه المأمور فيها وحده، بخلاف "هود"، وقد علم أنهم، لا يقومون بهذا الأمر الخطر كما يجب, فاهتمَّ بحالهم, وملاحظة عاقبة أمرهم, أو أنه أوّل ما سمعه في هود, وقول بعضهم كان وجه تخصيص هذه الصورة بالذكر، مع أن في بعض السور غيرها ما يفي بها وزيادة, أنه -صلى الله عليه وسلم- حال إخباره بذلك لم يكن أنزل عليه مما يشتمل على ما مَرَّ غيرها فيه، أنه ليس في القرآن الأمر بالاستقامة، وهو من تاب معه، إلّا في "هود"، إلّا أن يكون مراده غيرها، فقد تسلم نكتته، "وفي حديث جابر" أي: ابن سمرة.
وكان الأولى زيادته؛ لأنه عند الإطلاق: ابن عبد الله، لكنه استغنى عن ذلك بإحالته على