كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
عنده: لم يكن في رأسه -صلى الله عليه وسلم- شيب إلّا شعرات في مفرق رأسه, إذا ادَّهن واراهنَّ الدهن.
وفي رواية البيهقي: كان أسود اللحية حسن الشعر.
واختلف العلماء: هل خضب -عليه الصلاة والسلام- أم لا؟
قال القاضي عياض: منعه الأكثرون, وهو مذهب مالك.
__________
الترمذي، بقوله "عنده"؛ إذ هو عنده عن سماك بن جرب، قال: قيل لجابر بن سمرة: أكان في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيب؟ قال: "لم يكن في رأسه -صلى الله عليه وسلم- شيب"، أي: بياض شعر أو شعر أبيض، "إلّا شعرات" قليلة معدودة، لا تزيد على عشر, بدليل جمع القلة "في مفرق" بفتح الراء وكسرها، "رأسه"، أي: مقدمة، لرواية مسلم: قد شمط مقدم رأسه، أو محلّ المفرق منه، وهو وسط الرأس، كما في الصحاح، "إذا ادَّهن، واراهنَّ الدهن" بالفتح والضم- أي: سترهنَّ وغيَّبَهنَّ، وجعلهنَّ مخفيات؛ بحيث لا ترى إلا بدقة نظر لجمعة الشعر، والخلطة بالطيب، وقال القرطبي: المراد أنه كان إذا تطيّب يكون فيه دهن، فيه صفرة تخفي شيبه، وهذا الحديث أخرجه مسلم، والنسائي، عن ابن سمرة، بنحوه، كما يأتي، "وفي رواية البيهقي: كان أسود اللحية حسن الشعر"، أي: ليس بجعد، ولا قطط، "واختلف العلماء" في جواب قول السائل، "هل خضب -عليه الصلاة والسلام- أم لا؟ "، ومثاره اختلاف الرواية في ذلك، فأنكره أنس، وأثبته ابن عمر، كما مَرَّ، وأبو رمثة قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بردان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحنا. رواه الحاكم، وأصحاب السنن، وسُئِلَ أبو هريرة: هل خضب -صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه الترمذي، وغيره، وفي الباب غيرهم.
"قال القاضي عياض: منعه الأكثرون، وهو مذهب مالك"، فوافق أنسًا على الإنكار، وتأوَّل حديث ابن عمر بحمله على الثياب لا الشعر، وأحاديث غيره إن صحَّت على أن تلونه من الطيب لا من الصبغ، لما في البخاري وغيره، قال ربيعة: فرأيت شعرًا من شعره -صلى الله عليه وسلم، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: أحمر من الطيب، قال الحافظ: لم أعرف المسئول المجيب بذلك، إلّا أنَّ الحاكم روى أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضَّب النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فإني رأيت شعرًا من شعره قد لوّن، فقال: إنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعره، فهو الذي غيِّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيع سأل أنسًا عن ذلك، فأجابه، ووقع في رجال مالك للدارقطني، والغرائب له، عن أبي هريرة قال: لما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم، خضب من كان عنده شيء من شعره، ليكون أبقى لها، فإن ثبت هذا استقام إنكار أنس، ويقبل ما أثبته سواه التأويل، انتهى.