كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
وعن أنس قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحلاق يحلقه, وأطاف به أصحابه, فما يريدون أن تقع شعرة إلّا في يد رجل. رواه مسلم. وستأتي إن شاء الله تعالى قصة حلق رأسه الشريف في حجة الوداع.
ولم يروَ أنه -عليه الصلاة والسلام- حلق رأسه الشريف في غير نسك حج أو عمرة فيما علمته، فتبقية الشعر في الرأس سنة, ومنكرها مع علمه يجب تأديبه، ومن لم يستطع التبقية يباح له إزالته.
وقد رأيت بمكة المشرَّفة في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وثمانمائة شعرة عند الشيخ أبي حامد المرشدي، شاع وذاع أنها من شعره -صلى الله عليه وسلم، زرتها صحبة المقام المقري خليل العباسي, وإلى الله إحسانه عليه.
وعن محمد بن سيرين
__________
شعر غزير, هذا من تتمة الصفتين المارَّتين، وأشعر ضد أجرد، وهو أفعل صفة، لا أفعل تفضيل، "وعن أنس قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم" في حجة الوداع، "والحلاق" معمر بن عبد الله، كما ذكره البخاري، وقيل: خراش بن أمية -بمعجمتين- والصحيح الأوّل، فإن خراشًا كان الحلاق بالحديبية، "يحلقه" بكسر اللام، "وأطاف به أصحابه" داروا حواله، "فما يريدون أن تقع شعرة إلّا في يد رجل" تيمنًا وتبركًا "رواه مسلم"، وفي الصحيحين عن أنس أنه -صلى الله عليه وسلم، لما حلق رأسه، كان أبو طلحة أوّل من أخذ من شعره، "وستأتي إن شاء الله تعالى قصة حلق رأسه الشريف في حجة الوداع"، من المقصد التاسع، "ولم يروَ أنه -عليه الصلاة والسلام- حلق رأسه الشريف في غير نسك حجٍ أو عمرة" بدل من نسك، "فيما علمته"، وبه جزم ابن القيم، فقال: لم يحلق رأسه إلا أربع مرات, وقال العراقي في سيرته:
يحلق رأسه لأجل النسك ... وربما قصره في نسك
وقد رووا لا توضع النواصي ... إلا لأجل النسك المحاصي
"فتبقية الشعر في الرأس سنَّة، ومنكرها مع علمه يجب تأديبه، ومن لم يستطع التبقية يباح له إزالته"، ولفقهائنا كلام طويل في ذلك، "وقد رأيت مكَّة المشرفة, في ذي القعدة، سنة سبع وتسعين وثمانمائة, شعرة عند الشيخ أبي حامد المرشدي، شاع وذاع أنها من شعره -صلى الله عليه وسلم, زرتها، صحبة المقام المقري خليل العباسي، وإلى الله إحسانه عليه"، وذكر هذا كسابقه، وإن لم يكن من شمائله، لبيان تبرك الناس قديمًا وحديثًا بأثاره، فله مناسبة ما في شمائله، وكذا قوله: "وعن محمد بن سيرين" الأنصاري مولاهم البصري، ثقة ثبت، تابعي عابد, كبير القدر،