كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

قال: قلت لعبيدة، عندنا من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم، أصبناه من قِبَلِ أنس أو من قِبَلِ أهل أنس، فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إليّ من الدنيا وما فيها. رواه البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها
__________
كان لا يرى الرواية بالمعنى، مات سنة عشر ومائة، "قال: قلت لعبيدة" بفتح العين، وكسر الموحدة، آخره هاء- ابن عمرو بن قيس السلماني -بفتح، فسكون- ويقال: بفتحتين- المرادي أبي عمرو الكوفين التابعي، الكبير المخضرم، الثبت, الفقيه، أسلم قبل وفاة المصطفى ولم يره، ومات سنة اثنتين وسبعين أو بعدها، والصحيح أنَّه مات قبل سنة سبعين، "عندنا" شيء "من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصبناه" أي: حصل لنا "من قِبَلِ" بكسر القاف، وفتح الموحدة- أي: من جهة "أنس، أو من قِبَلِ أهل أنس" بن مالك، ووجه حصوله لمحمد بن سيرين والده، كان مولى أنس، وأنس ربيب أبي طلحة، وكان أوّل من أخذ من شعره، كما في الصحيح "فقال" عبيدة: "لأن تكون عندي شعرة" واحدة "منه، أحب إليّ من الدنيا وما فيها" من متاعها، وللإسماعيلي: أحبّ إلي من كل صفراء وبيضاء. ولام لأنّ لام ابتداء للتأكيد، وأنّ مصدرية، أي: كون شعرة، وأحبّ خبر، فتكون ناقصة، ويحتمل أنها تامّة "رواه البخاري" في كتاب الوضوء.
"وعن عمرو بن شعيب" ابن محمد بن عبد الله، بن عمرو بن العاص، "عن أبيه" شعيب "عن جده"، أي: شعيب، وهو عبد الله الصحابي، "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها"، بالسوية، كما في الرواية، لتقرب من التدوير من جميع الجوانب؛ لأن الاعتدال محبوب، والطول المفرط، قد يشوّه الخلق، ويطلق ألسنة المغتابين، ففعل ذلك مندوب، ما لم ينته تقصيص اللحية، وجعلها طاقات فيكره، وكان بعض السلف يقبض على لحيته، فيأخذ ما تحت القبضة، وقال النخعي: عجبت لعاقل كيف لا يأخذ من لحيته، فيجعلها بين لحيتين، فإن التوسّط في كل شيء حسن، ولذا قيل: كلما طالت اللحية تشمّر العقل، ففعل ذلك إذا لم يقصد الزينة والتحسين لنحو النساء سنّة، كما عليه جمع, منهم: عياض وغيره، واختار النووي: كونها بحالها مطلقًا، ثم لا ينافي في فعله -صلى الله عليه وسلم- قوله: "اعفوا اللحى"؛ لأنه في الأخذ منها لغير حاجة، أو لنحو تزين، وهذا فيما احتيج إليه لتشعث أو إفراط، طول يتأذَّى به، وقال الطيبي: المنهي عنه قصها كالأعاجم، أو وصلها كذنب الحمار، وقال الحافظ: المنهي عنه الاستئصال، أو ما قاربه بخلاف الأخذ المذكور.
لطيفة: قال الحسن بن المثنَّى: إذا رأيت رجلًا له لحية طويلة، ولم يتخذ لحية بين

الصفحة 508