كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

اللحى وأحفوا الشوارب".
واختلف في قص الشارب وحلقه, أيهما أفضل, ففي الموطأ: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة، وعن ابن عبد الحكم عن مالك قال: ويحفى الشارب ويعفى اللحى، وليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى تأديب من حلق شاربه.
وعن أشهب أنَّ حلقه بدعة, قال: وأرى أن يوجع ضربًا من فعله.
وقال النووي: المختار في قص الشارب أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفّه من أصله.
__________
الفاء، من التوفير, "اللحى"، أي: اتركوها وافرة لتكثر وتغزر، ولا تتعرضوا لها، وفي رواية: "أوفوا اللحى" أي: اتركوها وافية، وأخرى: أرجئوا -بالجيم والهمز، أي: أخروا، وأخرى: بالخاء المعجمة بلا همز، أي: أطيلوا.
قال النووي: وكل هذه الروايات بمعنى واحد، واللحى -بكسر اللام، وحُكِيَ ضمها، وبالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط، اسم لما ينبت على الخدين والذقن، "وأحفوا الشوارب"، قال النووي: بقطع الهمزة ووصلها من: أحفاه وحفاه: استأصله، وقال الزركشي: بألف قطع رباعي أشهر وأكثر، وهو المبالغة في استقصائه، ومنه أحفى في المسألة إذا أكثر، وقال القاضي عياض: من الإحفاء، وأصله الاستقصاء في أخذ الشارب، في معناه: أنهكوا الشوارب في الرواية الأخرى؛ والمراد: بالغوا في قص ما طال منها حتى تبين الشفة بيانًا ظاهرًا استحبابًا، وقيل: وجوبًا، "واختُلِفَ في قص الشارب وحلقه أيهما أفضل"، قال عياض: ذهب كثير من السلف إلى استيعاب الشارب وحلقه، لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم: "أحفوا وانهكوا"، وهو قول الكوفيين، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق، قاله مالك، "ففي الموطّأ: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة"، أي: يظهر ظهورًا واضحًا.
"وعن ابن عبد الحكم عن مالك، قال: ويحفى الشارب، ويعفى اللحى, وليس إحفاء الشارب حلقه"، بل أخذ ما طال عن الشفة بقصٍّ ونحوه؛ بحيث ل يؤذي الآكل، ولا يجتمع فيه الوسخ، قال القرطبي: "وأرى تأديب من حلق شاربه" لما فيه من التشبيه بالمجوس، "وعن أشهب" عن مالك، كما في التمهيد: "إن حلقه بدعة" لذلك "قال: وأرى أن يوجع ضربًا من فعله" نائب فاعل يوجع، "وقال النووي: المختار في قص الشارب أنه يقصه حتى يبدو" يظهر "طرف الشفة؛ ولا يحفّه من أصله"، قال -أعني النووي: وأما رواية: أحفوا، فمعناه: أزيلوا ما طال على الشفتين، قال ابن دقيق العيد: لا أدري هل نقله عن مذهب الشافعي، أو قاله اختيارًا منه

الصفحة 510