كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)
كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال.
وروى النسائي والبخاري في تاريخه, عن محمد بن علي قال: سألت عائشة: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطيّب؟ قالت: نعم، بذكارة الطيب، المسك والعنبر.
وأما مشيه -عليه الصلاة والسلام, فعن علي قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تكفَّا تكفيًا،
__________
بكسر الهمزة، والميم بينهما مثلثة ساكنة: حجر الكحل المعدني المعروف، قال في التهذيب وغيره: ويقال: إنه معرَّب, ومعدنه بالمشرق، وهو أسود يضرب إلى حمرة، "كل ليلة قبل أن ينام"، والظاهر كما قال المصنف أنه كان بعد العشاء، "وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال" جمع ميل، وهو المرود، ويقال له: المكحل والمكحال, بزنة مفتح ومفتاح، ثم هذا الخبر يخالفه خبر ابن عمر، كان -صلى الله عليه وسلم- إذا اكتحل يجعل في اليمنى ثلاثة مراود، والأخرى مردودين، يجعل ذلك وترًا، رواه الطبراني، وخبر أنس: كان -صلى الله عليه وسلم- يكتحل في اليمنى ثنتين، وفي اليسرى ثنتين، وواحدة بينهما.
قال ابن سيرين: هكذا الحديث، وأنا أحب أن يكون في هذه ثلاثًا، وفي هذه ثلاثًا، وواحدة بينهما، رواه ابن عدي. وحديث: من اكتحل فليوتر، فيه قولان، أحدهما: كون الإيتار في كل واحدة منهما، الثاني: كونه في مجموعهما، قال الحافظ: والأرجح الأوّل "وروى النسائي، والبخاري في تاريخه, عن محمد بن علي، قال: سألت عائشة: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطيّب"؟ وجه السؤال: إن رائحته طيبة وإن لم يمسّ طيبًا، "قالت: نعم بذكارة الطيب"، بكسر الذال المعجمة- ما يصلح للرجال "المسك والعنبر" بدل، أو عطف بيان؛ إذ الذكارة -بالكسر- جمع ذكر -بفتحتين- ما يصلح للرجال، وهو ما لا لون له، كالمسك والعنبر والعود والكافور.
والذكورة مثله، ومنه الحديث: كانوا يكرهون المؤنّث من الطيب، ولا يرون بذكورته بأسًا، والمؤنث طيب النساء كالخلوط والزعفران، كما في النهاية، ووجه إدخال هذا الحديث في الشعر: أنَّ التطيب يشمل تطييب الشعر؛ "وأما مشيه -عليه الصلاة والسلام، فعن علي" هو نفس الجواب، لكن بتقدير رابط، أي: فورد، أو الجواب محذوف، أي: ففيه أخبار، وإذا أردت معرفتها، فعن علي كذا، وما بعده عطف عليه في المعنى، والأحسن الأوّل "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تكفّا تكفيًا" بكاف وفاء، روي بهمز ودونه تخفيفًا، قاله العراقي. وقال النووي: زعم كثير أن أكثر ما يروى بلا همز، وليس كما قالوا, ومآلهما واحد، وهو يرد قول النور بشتّى الرواية المعتدّ بها بلا همز أ. هـ.