كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

كأنما ينحطّ من صبب. رواه الترمذي وصحَّحه البيهقي. والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي.
وعند البزار من حديث أبي هريرة: إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها.
وعند الترمذي في الشمائل من حديثه: وما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم, كأنَّما الأرض تطوى له،
__________
قال في النهاية، أي: تمايل إلى قدّام، هكذا روي غير مهموز، والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزًا؛ لأنه مصدر تفعَّل من الصحيح، كتقدَّم تقدمًا، وتكفَّأ تكفؤًا، والهمزة حرف صحيح، فإذا اعتلّ انكسرت عين المستقبل منه، نحو: تخفى تخفيفًا، وتسمَّى تسميًا، فإذا خفِّفت الهمزة التحقت بالمعتلّ، فصار تكفيًا بالكسر, انتهى.
أي: يسرع المشي؛ كأنه يميل بين يديه من سرعة مشيه، كما تتكفأ السفينة في جريها، ويؤيده قوله: "كأنما ينحطّ" وفي رواية: كأنما يهوي "من صبب"، أي: منحدر من الأرض، أي: كأنما ينزل في موضع منحدر، وهو حال من فاعل تكفأ, مبالغة في التكفي والتثبت في مشيه، "رواه الترمذي، وصحَّحه البيهقي"، ورواه الترمذي أيضًا عن أنس في حديث، "والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي" مثلث السين، وبضمتين- نهجه وجهته, كما في القاموس، وهذا التفسير قطع به الأزهري، مخطئًا تفسير شمر يتمايل يمينًا وشمالًا كالسفينة بأنَّه من الخيلاء، وتكفؤ السفينة تمايلها على سمتها الذي يقصد، ويرده قوله: كأنما ينحطّ إلخ، فإنه مفسّر له، وقال الكسائي: أكفأت الإناء وكفأته, إذا كبيته، وأكفأته إذا أملته، ومنه الحديث، أي: تمايل إلى قدام، كما تتكفأ السفينة في جريها. انتهى.
وأجاب القاضي عياض؛ بأنَّ التمايل يمينًا وشمالًا إنما يذمّ بالقصد، لا إن كان خلقة، كالغصن، وهو حسن صواب، وأمَّا حمله على سرعة انطواء الأرض تحت قدميه فخلاف الظاهر، "وعند البزار من حديث أبي هريرة: إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها"؛ ليس له أخمص، ومَرَّ هذا الحديث، وأعاده هنا لبيان صفة المشي، "وعند الترمذي في الشمائل من حديثه" أي: أبي هريرة: ما رأيت أحد أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كأنَّ الشمس تجري في وجهه، "وما رأيت أحدًا أسرع في مشيه"، كذا في نسخ من الشمائل بصيغة المصدر، وهي أظهر؛ لأنه الذي يتَّصف بالسرعة والبطء، وفي نسخ: مشيته -بكسر فسكون- أي: كيفية مشيه، قال المصنف: ومعناهما متقارب، والمراد: مشيه المعتاد دون إسراع, "من رسول الله -صلى الله عليه وسلم, كأنما الأرض تطوى" تجمع وتجعل مطوية تحت قدميه، مع كونه على غاية من التأنِّي وعدم العجلة "له"، لا لمن يماشيه،

الصفحة 519