كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

المصافح فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان ريحها.
وجؤنة العطار -بضم الجيم وهمزة بعدها، ويجوز تخفيفها واوًا: سليلة مستديرة مغشاة أدمًا.
وقد ورد مما عزاه القاضي عياض للإخباريين, ومن ألف في الشمائل الكريمة, أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يتغوَّط
__________
بصفحة يده "المصافح" بفتح الفاء والنصب- مفعول، وهو من يريد مصافحته، وفي رواية: يصافحه المصافح -بكسر الفاء والرفع- فاعل، "فيظل" بفتح الظاء المعجمة "يومه" منصوب على الظرفية، ولا توكيد فيه ولا تجريد؛ لدلالته على الاستغراق, "يجد ريحها" الطيبة طيبًا خلقيًّا خصَّه لله به معجزة وتكرمة، فالإضافة عهدية، وقدَّم المصنف أيضًا في اليد الشريفة قولَ وائل بن حجر عند الطبراني: كنت أصافح رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أو يمس جلدي جلده، فأتعرّفه بعد في يدي، وإنه لأطيب من ريح المسك، وهذا صادق ببقائه أكثر من يوم؛ لأنه لم يقيد التعرف بزمن، وعجيب نقل ما قدمه المصنف قريبًا من كلام غيره، "ويضع يده على رأس الصبي" أيّ صبي كان، لا معين، "فيعرف من بين الصبيان بريحها"؛ لشدة فوحه، أي: برائحتها الحاصلة بمسّه، والفاء للسببية, أي: يعرف أن النبي مسَّه، فيميز من بينهم.
وفي رواية: لريحها -باللام، والتعليلية- ومعناهما واحد، وفي رواية: من ريحها، ويحتمل أن ذلك في يومه، وأنه يستمرّ مدة طويلة، ثم المصنف تابع لعياض، ولفظ عائشة: ويضعها على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان أنه مسح على رأسه، "وجؤنة العطار -بضم الجيم، وهمزة بعدها، ويجوز تخفيفها" بإبدالها "واوًا- سليلة مستديرة مغشاة أدمًا" جلدًا، نقله عياض عن صاحب العين، وقال قبله: إنها كالسفط يجعل فيها العطار متاعه، "وقد ورد مما عزاه القاضي عياض للإخباريين" جمع إخباري، نسبة للخبر، وهو ما ينقل ويتحدث به، وجمعه أخبار، فقياس النسبة خبريّ، برد الجمع إلى مفرده، لكنَّه لما اشتهر فصار اسمًا لكل ما ينقل ويتحدث به، التَحَقَ بالعَلَم، فنسب إلى لفظه، "ومن ألف في الشمائل الكريمة" عطف خاص على خاص، أو مباين، وهو الظاهر؛ إذ الإخباريون الناقلون للأخبار كيف اتفق، ومقصود المؤلفين في الشمائل: بيان شمائله فقط, فهم قسم مستقل، لكن لفظ الشفاء: وحكى بعض المعتنين بأخباره وشمائله "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يتغوَّطَ" أي: يأتي الغائط، وهو المكان المنخفض من الأرض على عادتهم في البراز؛ لأنه أستر، قال تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]

الصفحة 540