كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

عائشة, وما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شيء". انتهى.
وفي الشفاء لابن سبع عن بعض الصحابة قال: صحبته -صلى الله عليه وسلم- في سفر, فلمَّا أراد قضاء الحاجة تأمَّلته وقد دخل مكانًا فقضى حاجته، فدخلت الموضع الذي خرج منه فلم أر له أثر غائط ولا بول، ورأيت في ذلك الموضع ثلاثة أحجار فأخذتهنَّ, فوجدت لهنَّ رائحة طيبة وعطرًا.
قلت: وقد سُئِلَ الحافظ عبد الغني المقدسي: هل روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ما يخرج منه تبتلعه الأرض؟ فقال: قد روي ذلك من وجه غريب،
__________
"يا عائشة" قلت ذلك، "وما علمتِ أن الأرض تبتلع" تفتعل من البلع، وضبطه التلمساني، تبلع من بلع، كعلم يعلم، أي: يخفي "ما يخرج من الأنبياء" بحيث يغيب فيها، "فلا يرى منه شيء" تفسير للمراد من البلع وتأكيد؛ إذ هو إدخال الطعام والشراب في الحنجرة والمريء، فاستُعِيرَ لمطلق الإخفاء؛ كقوله تعالى: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هود: 44] ، أو هو بيان لحكمته، فليس بمستدرك كما توهم، قيل: وحكمة إخفائه مع طيبه وعدم استقذاره، عدم الإذكار لمحله الخارج منه، أو لتتبرك الأرض به، وينبغي ستره؛ لأنه من المروءة؛ لأنه يخشى من أخذ الناس له، "انتهى" ما أسنده ابن سعد، ورجاله ثقات، إلّا محمد بن زاذان المدني فمتروك, كما في التقريب، لكن له شواه يأتي بعضها، "وفي الشفاء"، أي: كتاب شفاء الصدور "لابن سبع" بسكون الباء، بلفظ العدد، وقد تضم، كما في التبصير، "عن بعض الصحابة قال: صحبته -صلى الله عليه وسلم- في سفر, فلمَّا أراد قضاء الحاجة تأملته، وقد دخل مكانًا فقضى حاجته، فدخلت الموضع الذي خرج منه، فلم أر له أثر غائط ولا بول، ورأيت في ذلك الموضع ثلاثة أحجار فأخذتهنَّ، فوجدت لهنَّ رائحة طيبة وعطرًا" بكسر العين- طيبًا, معطوف على لهنّ لا على رائحة، فالمعنى: وجدتهن عطرًا، أي: كالعطر مبالغة، كأن عينهنَّ انقلبت من الحجرية إلى العطرية، ويدل لذلك أنَّ بقية ذا الخبر, كما في التلمساني: فكنت إذا جئت يوم الجمعة المسجد أخذتهنَّ في كمي، فتغلب رائحتهنّ رائحة من تطيب وتعطر, "قلت": من المصنف لا من تتمة كلام صاحب الشفاء كما زعم؛ لأن ابن سبع متقدّم على المقدسي بزمان، فلا ينقل عنه، "وقد سئل الحافظ عبد الغني" بن عبد الواحد بن سرور "المقدسي"، ثم الدمشقي، الإمام، محدث الإسلام، تقي الدين الحنبلي، صاحب التصانيف، غزير الحفظ والإتقان، قيِّم بجميع فنون الحديث، وَرِع كثير العبادة، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ونزل مصر في آخر عمره، وبها مات سنة ستمائة، وله تسع وخمسون سنة، "هل روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ما يخرج منه تبتلعه الأرض؟ فقال" مجيبًا، "قد روي ذلك من وجه غريب" أي: ضعيف، "والظاهر المنقول"

الصفحة 542