كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

فروى ابن حبان في "الضعفاء" عن ابن عباس قال: حجم النبي -صلى الله عليه وسلم- غلام لبعض قريش، فلمَّا فرغ من حجامته أخذ الدم فذهب به من وراء الحائط، فنظر يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا، فحسا دمه حتى فرغ, ثم أقبل فنظر في وجهه فقال: "ويحك ما صنعت"؟ فقلت: غيبته من وراء الحائط، قال ابن عيينة: قلت: يا رسول الله, نفست على دمك أن أهريقه في الأرض, فهو في بطني, فقال: "اذهب فقد أحرزت نفسك من النار".
وفي سنن أبي سعيد بن منصور من طريق عمرو بن السائب
__________
لبعض؛ لأنه بالنظر إلى المجموع، ولا يرد أن حديث شرب المرأة بوله صحيح؛ لأنَّها شربته للعطش غير عالمة أنه بوله، فلم تقصد التبرك، "فروى ابن حبان في" كتاب "الضعفاء، عن ابن عباس قال: حجم النبي -صلى الله عليه وسلم- غلام لبعض قريش، فلمَّا فرغ من حجامته أخذ الدم، فذهب به من وراء الحائط"، الظاهر أنَّ وراء هنا بمعنى قدام، كما هو أحد إطلاقها، يعني: إنه ذهب بالدم إلى جهة الحائط؛ بحيث صار قدامها لا تخطاها؛ بحيث صارت خلفه، "فنظر يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا، فحسا دمه"، بفاء العطف على ما قبله، وفي نسخة: تحسى، والأولى أظهر، "حتى فرغ" أي: من شربه شيئًا فشيئًا إلى فراغه، "ثم أقبل، فنظر" -صلى الله عليه وسلم- "في وجهه، فقال: "ويحك ما صنعت"؟، والظاهر أن ابن عباس حمله عن الغلام بقوله: "فقلت: غيبته" في جوفي "من وراء الحائط"، فليس كذبًا، "قال ابن عيينة" تفرَّس فيه، أو ألهم أنه شربه، فسأله ثانيًا، أو المراد: في أيّ مكان من ورء الحائط، فلا يرد أنه لا فائدة في السؤال الثاني، "قلت: يا رسول الله, نفست" بكسر الفاء- ضننت "على دمك أن أهريقه في الأرض، فهو في بطني"، قال في القاموس: نفس به كفرح ضنَّ، وعليه بخير جسده، وعليه الشيء نفاسة، لم يره أهلًا له، والظاهر صحة الثلاثة، فالأوّل تكون على بمعنى الباء، والثاني فيه حذف المفعول وهو جائز، أن نفست الأرض على دمك، أي: حسدتها، والثالث: لم أر دمك أهلًا لإراقته في الأرض لعظمته، قرَّره شيخنا، "فقال" -صلى الله عليه وسلم: "اذهب، فقد أحرزت نفسك من النار"؛ لأن دمه لا تمسه النار، وقد مازج لحمه ودمه، "وفي سنن أبي سعيد" بكسر العين "ابن منصور" بن شعبة، أبي عثمان الخراساني، نزيل مكة، حافظ ثقة مصنّف, روى عن مالك والليث وابن عيينة وخلق، وعنه: الإمام أحمد، وقال: إنه من أهل الفضل والصدق، ومسلم وأبو داود، وأبو حاتم وقال: إنه من المتقنين الأثبات، وخلق سواهم, صنَّف السنن بمكة، وبها مات سنة سبع وعشرين ومائتين "من طريق عمرو" بفتح العين.
قال الحافظ: وصوابه: عمر -بضمها "ابن السائب" ابن أبي راشد المصري، مولى بني

الصفحة 545