كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

أنه بلغه أن مالكًا والد أبي سعيد الخدري لما جُرِحَ النبي -صلى الله عليه وسلم- مَصَّ جرحه حتى أنقاه ولاح أبيض فقال: "مجه"، فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم ازدرده فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" فاستشهد.
وأخرج البزار والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم في الحلية، من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم, فأعطاني الدم بعد فراغه من الحجامة، وقال: "اذهب يا عبد الله فغيبه" , وفي رواية: "اذهب بهذا الدم فواره حيث لا يراه أحد" فذهبت فشربته, ثم أتيته -صلى الله عليه وسلم, فقال: "ما صنعت"؟ قلت: غيبته، قال: "لعلك شربته" قلت: شربته، وفي رواية قلت: جعلته في أخفى مكان ظننت أنه خافٍ عن الناس، قال: "لعلك شربته"؟ قلت: شربته، فقال: "ويل لك من الناس وويل للناس منك"
__________
زهرة، أبو عمرو، صدوق، فقيه, مات سنة أربع وثلاثين ومائة، "أنه بلغه"، والبلاغ من أقسام الضعيف، "إن مالكًا" هو ابن سنان "والد أبي سعيد الخدري، لما جُرِحَ النبي -صلى الله عليه وسلم" في وجهه يوم أحد، "مَصَّ جرحه حتى أنقاه" بنون وقاف، "ولاح"، ظهر بعد المص محل الجرح "أبيض، فقال: "مجه"، فقال: والله" وفي نسخة: لا والله "لا أمجه أبدًا، ثم ازدرده" ابتلعه، "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا"، فاستشهد" يومئذ بأحد، فظهر صدق قوله أنه من أهل الجنة، وروى سعيد بن منصور أيضًا، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سره أن ينظر إلى رجل خالط دمي دمه فلينظر إلى مالك بن سنان"، "وأخرج البزار والطبراني والحاكم والبيهقي، وأبو نعيم في الحلية, من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير" الأسدي، أبي الحارث المدني، التابعي الثقة العابد، مات سنة إحدى وعشرين ومائة، روى له الستة، "عن أبيه، قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فأعطاني الدم بعد فراغه من الحجامة، وقال: "اذهب يا عبد الله فغيبه".
"وفي رواية: "اذهب بهذا الدم فواره حيث لا يراه أحد"، فذهبت فشربته، ثم أتيته -صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما صنعت"؟ أي: بالدم، "قلت: غيبته، قال: "لعلك شربته"، قلت: شربته، وفي رواية، قلت: جعلته في أخفى مكان ظننت أنه خافٍ عن الناس"، وفي هذا مزيد حذقه -رضي الله عنه، مع صغر سنِّه، فإنه ولد سنة الهجرة، وكان أوّل مولود للمهاجرين "قال: "لعلك شربته"، قلت: شربته قال: "ويل" للتحسّر والتألم "لك من الناس" إشارة إلى محاصرته وتعذيبه وقتله وصلبه على يد الحجَّاج، "وويل للناس منك" لما أصابهم من حربه، ومحاصرة مكة بسببه، وقتل من قتل، وما أصاب أمه وأهله من المصائب، وما لحق قاتليه من الإثم العظيم، وتخريب الكعبة، فهو

الصفحة 546