كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وفي رواية: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فما حملك على ذلك" قال: علمت أن دمك لا تصيبه نار جهنم فشربته لذلك، فقال: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك".
وعند الدارقطني من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه، وفيه: $"ولا تمسك النار".......................
__________
بيان لما تسبَّب عن شرب دمه، فإن بضعة من النبوة نورانية قوت قلبه، حتى زادت شجاعته وعلت همته عن الانقياد لغيره ممن لا يستحق إمارة فضلًا عن الخلافة، وزعم أنه إشارة إلى ما يلحقه من قدح الجهلة فيه بسبب شرب الدم، مما لا ينبغي ذكره وسقوطه مغنٍ عن رده، "وفي رواية: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "فما حملك على ذلك"؟، قال: علمت أن دمك لا تصيبه نار جهنم، فشربته لذلك. فقال: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك"، وقد سُئِلَ الحافظ ابن حجر عن الحكمة في تنوع القول لابن الزبير ومالك ابن سنان مع اتحاد السبب، فأجاب؛ بأنَّ ابن الزبير شرب دم الحجامة، وهو قدر كثير يحصل به الاغتذاء، وقوة جذب المحجمة تجلبه من سائر العروق، أو كثير منها.
فعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه يسري في جميع جسده، فتكتسب جميع أعضائه منه قوى من قوى النبي -صلى الله عليه وسلم، فتورثه غاية قوة البدن والقلب، وتكسبه نهاية الشهامة والشجاعة، فلا ينقاد لمن هو دونه بعد ضعف العدل، وقلة ناصره، وتمكُّن الظلمة، وكثرة أعوانهم، فحصل له ما أشار إليه -صلى الله عليه وسلم، من تلك الحروب الهائلة التي تنتهك بها حرمته الناشئة من حرمته -صلى الله عليه وسلم، وحرمة البيت العتيق، فقيل له: ويل له؛ لقتله وانتهاك حرمته، وويل لهم؛ لظلمهم وتعديهم عليه، وتسفيههم، وأما مالك: فازدرد ما مصّه من الجرح الذي في وجهه -صلى الله عليه وسلم، وهو أقلّ من دم الحجامة، وكأنَّه علم أنه يستشهد في ذلك اليوم، فلم يبق له من أحوال الدنيا ما يخبره به، فأعلمه بالأهمّ له مما يتلقاه من أنواع مسرَّات الجنان، انتهى.
ولا عطر بعد عروس، وحاصله: إنه اقتصر لمالك على التبشير بالجنة أنه لا تصيبه النار؛ لعدم بقاء شيء له من الدنيا، بخلاف ابن الزبير، فأخبره بما يقع له في الدنيا على سبيل الإشارة، كما أشار له أيضًا بأنه من أهل الجنة بقوله: "لا تمسك النار"، فزعم أن مقتضاه أنه لم يخاطب بهذا ابن الزبير بل مالكًا, ساقط إذ محط الفرق إنما هو قوله: ويل إلخ ... ، وكيف يتوهّم أنه لم يخاطب به ابن الزبير، "و" قد ورد "عند الدارقطني، من حديث أسماء بنت أبي بكر نحوه، وفيه: "ولا تمسَّك النار"، فهل يظن بالحافظ أنه لم ير الدارقطني، وهو من جملة مروياته على شيوخ عدة، ولفظ الدارقطني في السنن عن أسماء، قالت: احتجم -صلى الله عليه وسلم، فدفع دمه لابني، فشربه، فأتاه جبريل، فأخبره، فقال: "ما صنعت"، قال: كرهت أن أصبّ دمك، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تمسك النار"،

الصفحة 547