كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

"فأهريقي ما في تلك الفخارة"، فقلت: قد والله شربت ما فيها, قالت: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال: "أما والله لا يبجعن بطنك أبدًا".
وعن ابن جريج قال: أخبرت أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول في قدحٍ من عيدان, ثم يوضع تحت سريره, فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء, فقال لامرأة يقال لها بركة, كانت تخدم أم حبيبة, جاءت معها من أرض الحبشة: "أين البول الذي كان في القدح"؟ قالت: شربته. قال: "صحة
__________
ما فيها، وأنا لا أشعر" أنه بول لطيب رائحته، فلمَّا أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أم أيمن, قومي فأهريقي" بفتح الهمزة- من أهرق، أي: صبي "ما في تلك الفخارة"، فقلت: قد والله شربت ما فيها"، أقسمت عليه تأكيدًا، "قالت: فضحك سول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال: "أَمَا" بالفتح وخفة الميم "والله، لا يبجعن" بالباء الموحدة، والجيم- كذا قال السيوطي في المناهل، لكنه لا يناسب قول القاموس: بجعه -بالجيم- قطعه بالسيف؛ لأن ما هنا من الوجع، أي: المرض، وصرَّح المجد بأنه يقال: يوجع -بالواو وييجع -بالياء- فهو بتحتيتين أولاهما مفتوحة ومكسورة، أي: لا يصيب "بطنك" وجع "أبدًا"، وعن" عبد الملك بن عبد العزيز "بن جريج" بجيمين أولاهما مضمومة- الأموي, مولاهم المكي، ثقة فاضل فقيه، روى له الستة، وكان يدلس ويرسل، مات سنة خمسين ومائة أو بعدها، وقد جاوز التسعين، وقيل: جاوز المائة، ولم يثبت, "قال: أُخْبِرْتُ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول في قدحٍ من عيدان" بفتح المهملة وإسكان التحتية ومهملة مفتوحة- جمع عيدانة -بالهاء، وهو الطوال من النخل، كما ضبطه جمع, منهم: المجد، وجوّز التلمساني كسر العين، على أنه جمع عود، وهو مخالف لهم، قال الشاعر:
إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت ... عيدان نجد ولم يعبأن بالريم
"ثم يوضع تحت سريره"، فإن قيل: ما الحاجة لوضعه مع أن الأرض تبتلعه فلا يُرَى له أثر، أجيب بأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكره الخروج ليلًا من بيته وهو مصلي نافلته، ومحلّ نزول الوحي والملائكة، فلا يليق أن يمسَّ باطنه وظاهره شيء من الفضلات، وإن ظاهره تعظيمًا لعبادة ربه وتأدبًا، لم لا ينافيه قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا ينقع بول في طشت في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه بول مستنقع"، رواه الطبراني بسندٍ حسن عن ابن عمر، لإمكان حمله على الفعل بلا ضرورة، أو على تركه في الإناء مدة بحيث ينشر به الإناء، كما يشعر به ينقع ومستنقع, ومدة تركه -صلى الله عليه وسلم- كانت يسيرة، "فجاء، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها بركة, كانت تخدم أم حبيبة" بنت أبي سفيان، أم المؤمنين، "جاءت معها من أرض الحبشة: "أين البول الذي كان في القدح"؟ قالت: شربته، قال: "صحة" بكسر الصاد، والنصب- أي: جعله الله صحة، أو الرفع، أي:

الصفحة 549