كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

قال بعضهم: وكان السر في ذلك ما روي من صنيع الملكين حين غسلا جوفه, والله أعلم.
وأمَّا سيرته -صلى الله عليه وسلم- في البراز، ففي حديث عائشة عند أبي عوانة في صحيحه والحاكم: ما بال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن.
وفي حديث عبد الرحمن بن حسنة
__________
قال الزركشي: وينبغي طرد الطهارة في فضلات سائر الأنبياء، ونازعه الجوجري في ذلك، لكن يؤيده حديث: "إن الله أمر الأرض أن تبتلع ما يخرج من الأنبياء"، من حديث "إن أجسادهم ثبتت على أرواح أهل الجنة"، "قال بعضهم: وكان السر في ذلك ما روي من صنيع الملكين حين غسلا جوفه" في المرة الأولى عند مرضعته حليمة، أو وهو ابن عشر، أو حين البلوغ، أو ليلة الإسراء، فعلى الأول يكون ذلك ثبت له من ابتداء طفوليته، "والله أعلم" بالحق في ذلك، "وأما سيرته -صلى الله عليه وسلم" أي حالته وهيئته التي كان يتلبّس بها "في البراز" بفتح الموحدة- اسم للفضاء الواسع، كنّوا به عن الحاجة كما كنّوا بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرَّزون في الأمكنة الخالية من الناس، قال الخطابي: وأكثر الرواة يكسرون الباء، وهو غلط؛ لأنه مصدر بارزت الرجل مبارزة وبرازًا, إلّا معنى القضاء، وردّه النووي؛ بأنَّ الظاهر بل الصواب الكسر.
قال الجوهري وغيره من أئمة اللغة: البراز -بالكسر- ثقل الغذاء وهو الغائط، وأكثر الرواة عليه، فتعيّن المصير إليه؛ ولأن المعنى عليه ظاهر, ولا يظهر معنى الفضاء الواسع هنا إلا بكلفة, انتهى. أي: بجعله مجازًا علاقته المجاورة، أو من تسمية الحال باسم المحلّ لخروجه فيه، وذكر المصباح أن كسر الباء في الفضاء لغةً قليلة، ثم جواب أما محذوف, أشير إلى بعضه بقوله: "ففي حديث عائشة" أو هو وما بعده نفس الجواب, وهو أولى "عند أبي عوانة" الحافظ، يعقوب ابن إسحاق الأسفرايني، النيسابوري, ثقة ثبت جليل، طاف الدنيا, وعني بالحديث، مات سنة ست عشرة وثلثمائة، "في صحيحه" المخرج على مسلم، وله فيه زيادات عدة، "والحاكم" محمد بن عبد الله، الحافظ المشهور، قالت: "ما بال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا منذ أنزل عليه القرآن"، يطلق على بعضه كما يطلق على كله، فشمل أوّل ما نزل، فكأنها قالت: منذ نبئ، ولا يشكل بأنها لم تولد حينئذ؛ لجواز أنه بلغها ذلك فأخبرت به، ولا يرد ما شاهده حذيفة من بوله قائما؛ لأنه في غير البيوت، أو لبيان الجواز، ولم تشاهده عائشة، فأخبرت بما شاهدت، وكأنها قاست عليه ما لم تشاهده، وقد روى الترمذي والنسائي عنها: من حدَّثكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كان يبول قائمًا فلا تصدقوه, ما كان يبول إلا قاعدًا، ولفظ النسائي: إلا جالسًا، وحمل على من اعتقد أنه عادته، "وفي حديث عبد الرحمن بن حسنة" بفتح المهملتين، ثم نون،

الصفحة 553