كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

عند النسائي وابن ماجه: أنه -صلى الله عليه وسلم- بال جالسًا، فقالوا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة.
وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائمًا، ويؤيده ما في حديث عبد الرحمن هذا, وفيه دلالة على أنه كان يخالفهم في ذلك, فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسّة البول.
وقال حذيفة: أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائمًا ثم دعا بماء فجئته بماء فتوضأ
__________
وهو ابن المطاع بن عبد الله، أخو شرحبيل بن حسنة، وهي أمهما، قال الترمذي: يقال: إنهما أخوان، وأنكره العسكري تبعًا لابن أبي خيثمة.
روى عبد الرحمن عن المصطفى، وعنه زيد بن وهب، وذكر مسلم والأزدي والحاكم؛ أنه تفرَّد بالرواية عنه، ويرد عليهم أنَّ في الطبراني الكبير حديثًا من طريق أبي طارق عنه، قاله في الإصابة "عند النسائي، وابن ماجه"، وصحّحه الدارقطني وغيره؛ "أنه -صلى الله عليه وسلم- بال جالسًا" مخالفًا لعادة العرب، "فقالوا" متعجبين: "انظروا إليه يبول كما تبول المرأة"، ولعلَّ قائليه ليسوا مسلمين؛ إذ محافظة الصحابة على فعله واقتداؤهم به معلوم، "وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائمًا"، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة: يبول كما تبول المرأة. هذا بقية ما حكاه ابن ماجه، كما في الفتح، فما أوهمه قوله: "ويؤيده ما في حديث عبد الرحمن هذا"، من تعجبهم من بوله جالسًا؛ أنه من عنده ليس بمراد، "وفيه دلالة على أنه" -صلى الله عليه وسلم- "كان يخالفهم في ذلك، فيقعد لكونه أستر, وأبعد من مماسّة البول"؛ إذ القيام يخشى منه إصابة القدمين ونحوهما برشاش البول.
"وقال حذيفة" بن اليمان، الصحابي ابن الصحابي: "أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم"، وفي رواية: بطيحة قوم، وهي المكان الواسع، "فبال قائمًا، ثم دعاء بماء فجئته بماء فتوضأ" وفي مسلم، فتنحيت، فقال: "ادن" فدنوت حتى قمت عند عقبيه. ولأحمد: أتى سباطة قوم فتباعدت، فأدناني حتى صرت قريبًا من عقيبة، فبال قائمًا، ودعا بماء فتوضأ، ومسح على خفَّيه، وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين.
"رواه البخاري"، ومسلم، وأصحاب السنن وغيرهم، وفي الصحيح أيضًا عن حذيفة: رأيتني أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذت منه، فأشار إليّ فجئت، فقمت عند عقبيه حتى فرغ. وفيه أيضًا: كان أبو موسى الأشعري يشدد

الصفحة 554