كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

لبيان الجواز, ثم هو في البول, وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشّف، والغرض من الإبعاد التستر, وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر.
وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض سكك المدينة, فانتهى إلى سباطة قوم فقال: "يا حذيفة, استرني" فذكر الحديث. وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة.
وقيل: إنما بال قائمًا لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت، ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر -رضي الله عنه- قال: البول قائمًا أحصن للدبر.
وقيل: السبب في ذلك ما روي عن الشافعي وأحمد: إن العرب
__________
الجواز، ثم هو"، أي: الستر "في البول، وهو أخفّ من الغائط؛ لاحتياجه إلى زيادة تكشّف"، أسقط من الفتح: ولما يقترن به من الرائحة, وإسقاطه حسن؛ إذ لم يكن لغائطه رائحة كريهة، كما مَرَّ، "والغرض من الإبعاد التستر، وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر" إن كان طوله ثلثي ذراع؛ وقرب منه بأن كان ما بينهما ثلاثة أذرع فأقلّ، والساتر تعرض المقعدة.
"وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك" الخطمي، له أحاديث أخرجها الدارقطني، والطبراني وغيرهما، مدارها على الفضل بن مختار، وهو ضعيف جدًّا، قاله في الإصابة وفي التقريب، زعم عبد الحق أن النسائي أخرج له حديثًا في السرقة، وتعقّب ذلك ابن القطان، "قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض سكك" أي: طرق "المدينة، فانتهى إلى سباطة قوم، فقال: "يا حذيفة استرني"، فذكر الحديث"، وهو: فدنوت حتى قمت عند عقبه، فبال قائمًا، "وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة"، وهي قربه من القوم، وجلوسه في مظنّة المارة عليه؛ مع أمره له بذلك، قال في الفتح: وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبه استدبره, وظهر أيضًا أن ذلك كان في الحضر، لا في السفر، ويستفاد من هذا دفع أشد المفسدتين بأخفهما، والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معًا، وبيانه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة، ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلمَّا حصره البول وهو في بعض تلك الحالات، لم يؤخره حتى يبعد كعادته، لم يترتّب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدَّم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة، على مصلحة تأخره عنه؛ إذ لم يمكن جمعهما، "وقيل: إنما بال قائمًا؛ لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت، ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار، ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر -رضي الله عنه- قال: البول قائمًا أحصن للدبر" من خروج الريح منه، "وقيل: السبب في ذلك ما روي عن الشافعي وأحمد: إن العرب

الصفحة 557