كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وقد حفظه حذيفة، وهو من كبار الصحابة، وهو جائز من غير كراهة إذا أمن الرشاش.
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". رواه البخاري من حديث أنس.
والخبث -بضم المعجمة والموحدة- ومراده: ذكران الشياطين وإناثهم.
__________
أوائل شرح الترمذي، قاله في فتح الباري، "وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء"، قال ابن الحاجب وغيره: منصوب على الظرف؛ لأن دخل من الأفعال اللازمة؛ بدليل أن مصدره على فعول، وما كان كذلك فهو لازم؛ ولأنه نقيض خرج وهو لازم, فيكون هو أيضًا كذلك، واختار قوم أنه مفعول به، وعن سيبويه أنه منصوب بإسقاط الخافض، وجعله الحريري من الأفعال المتعدية تارة بنفسها، وتارة بحرف الجر.
"قال: "اللهمَّ إني أعوذ"، أي: ألوذ وألتجئ "بك من الخبث"، جمع خبيث: ذكران الشياطين، "والخبائث" إناثهم, جمع خبيثة، وخصَّ بذلك حال الخلاء؛ لأن الشياطين يحضرون الأخلية، وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله، فقدَّم لها الاستعاذة احترازًا منهم، وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث".
رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وصحّحه الحاكم، وابن حبان، عن زيد بن أرقم، ومحتضرة، أي: تحضرها الشياطين، والحشوش -بضم الحاء وشينين معجمتين- المراحيض والكنف، "رواه البخاري من حديث" آدم، عن شعبة، عن عبد العزيز، عن "أنس" بلفظ: كان إذا دخل الخلاء إلخ ... ، ثم قال: وقال غندر عن شعبة: إذا أتى الخلاء، وقال سعيد بن زيد: حدَّثنا عبد العزيز: إذا أراد أن يدخل, انتهى. فبينت هذه الرواية المراد، فإذا قتصر عليها المصنف، لكنه أوهم أن البخاري رواها مسندة, مع أنه إنما رواها تعليقًا كما رأيت، نعم وصلها في كتاب الأدب المفرد له، وهذه الروايات وإن اختلف لفظها، فمعناها متقارب، يرجع إلى معنًى واحد، هو ما صرّحت به الرواية الثالثة، وهو في الأمكنة المعدَّة لذلك بقرينة الدخول، ولذا قال ابن بطال: رواية إذا أتى أعمَّ لشمولها انتهى.
"والخبث -بضم المعجمة و" ضم "الموحدة، ومرداه: ذكران الشياطين" بالخبث جمع خبيث، "وإناثهم" بالخبائث جمع خبيثة، قاله ابن حبان، والخطابي، وزاد أن عامَّة أصحاب الحديث يقولونه، ساكن الباء، وهو غلط، والصواب: ضمها, واتفق من بعد الخطابي على أنه الغلط، منهم النووي والتوربشتي؛ لأن الخبيث إذا جمع يجوز تسكين بائه للتخفيف؛ وهذا

الصفحة 559