كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ إظهارًا للعبودية، ويجهر بذلك للتعليم، وهل يختص هذا الذكر بالأبنية المعدَّة لذلك؛ لكونها حضرة الشياطين، أو يعم؟ الأصح الثاني.
ويقول ذلك قبيل الدخول في الأمكنة، وأمَّا في غيرها فيقوله في أوّل الشروع؛ كتشمير ثيابه مثلًا، وهذا مذهب الجمهور، فلو نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه.
__________
مستفيض، لا يسع أحدًا مخالفته، إلّا أن يزعم أن ترك التخفيف أَوْلَى، لئلّا يشتبه بالمصدر، لكن صرح جماعة من أهل المعرفة بالعربية، منهم أبو عبيدة، بأن الباء هنا ساكنة.
وقال ابن دقيق العيد: لا ينبغي أن يعد هذا غلطًا؛ لأن فعلًا -بضم الفاء والعين- تخفف عينه قياسًا، قال: ولا يتعيّن أن المراد بالخبث -بالسكون- ما لا يناسب المعنى، بل بمعناه، وهو بضمّها نعم حمله، وهو ساكن على ما لا يناسب غلط في الحمل، لا في اللفظ, انتهى.
وقد أشار البخاري إلى أنه روي بالوجهين، فقال بعدما روى الحديث: ويقال الخبث، قال الحافظ: إي بإسكان الموحدة، فإن كانت مخفَّفة عن الحركة فتقدم توجيهه، وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي: المكروه، فإن كان من الكلام فالشتم، ومن الملل فالكفر، ومن الطعام فالحرام، ومن الشراب فالضارّ؛ وعلى هذا, فالمراد بالخبائث المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة، ليحصل التناسب، ولذا وقع في رواية الترمذي وغيره، "أعوذ بالله من الخبث والخبث والخبائث" الأوّل بإسكان مع الإفراد، والثاني بالتحريك مع الجمع، أي: من الشيء المكروه، ومن الشيء الذموم، ومن ذكر أن الشياطين وإناثهم, انتهى.
وفي المصباح: "من الخبث والخبائث" بضم الباء والإسكان- جائز على لغة تميم، قيل: ذكر أن الشياطين وإناثهم، وقيل: من الكفر والمعاصي، "وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ إظهارًا للعبودية"، وإلّا فهو معصوم من الشيطان كسائر الأنبياء، "ويجهر بذلك للتعليم" لغيره؛ "وهل يختص هذا الذكر بالأبنية المعدَّة لذلك؛ لكونها حضرة الشياطين"، كما ورد في حديث زيد بن أرقم، في السنن، "أو يعم"، أي: يشمل ما لو بال في إناء مثلًا في جانب البيت, "الأصحّ الثاني"، ما لم يشعر في قضاء الحاجة، "ويقول ذلك قبيل الدخول في الأمكنة، وأمَّا في غيرها فيقوله في أول الشروع؛ كتشمير ثيابه مثلًا"، وكإرادة تقديم الرجل، "وهذا مذهب الجمهور" المانعين ذكر الله في تلك الحالة, قائلين: "فلو نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه"، ومن يجيز مطلقًا، لا يحتاج إلى تفصيل، وقد روى المعمري -بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة- هذا الحديث بلفظ الأمر، قال: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث"،

الصفحة 560