كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

رواه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري.
وهذا في الصحراء، أما في البنيان فلا، لما روي عن ابن عمر: ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام. رواه الشيخان.
__________
مختصر السنن للمنذري بإثباتها، ولعله من الناسخ، وكلاهما صحيح.
"رواه البخاري" ومسلم، وأصحاب السنن "من حديث أبي أيوب" خالد بن زيد بن كليب "الأنصاري"، البدري، من كبار الصحابة، "وهذا" النهي محله "في الصحراء، أمَّا في البنيان فلا" يمنع الاستقبال، "لما روى" في التعبير به شيء؛ إذ هو فيما شك فيه، وهذا في الصحيحين، "عن ابن عمر" قال: "ارتقيت"، أي: صعدت "فوق بيت"، وفي رواية: فوق ظهر بيت "حفصة"، زاد مسلم: أختي، ولابن خزيمة: دخلت على حفصة بنت عمر، فصعدت ظهر البيت، وأضافه إليها؛ باعتبار أنه البيت الذي أسكنها فيه النبي -صلى الله عليه وسلم، وبقي في يدها إلى أن ماتت، فورث عنها، وفي رواية: على ظهر بيت لنا، وأخرى: على ظهر بيتنا، وإضافته إليه مجازًا؛ لأنها أخته، أو باعتبار ما آل إليه الحال؛ لأنه ورث حفصة دون أخوته؛ لأنها شقيقته، ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب، "لبعض حاجتي"، أي: لأمر اقتضى رقيه، ولم يبينه لعدم الاحتياج إليه في بيان المقصود هنا.
"فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم" حال كونه "يقضي حاجته"، وحال كونه "مستدبر القبلة، مستقبل الشام"، وفي رواية: بيت المقدس، والمعنى واحد؛ لأنهما في جهة واحدة، وسقط في رواية: مستدبر القبلة؛ لأن ذلك من لازم من مستقبل الشام بالمدينة، وذكرت في هذه الرواية للتأكيد والتصريح به، ثم لا يرد أن شرط الحال كونها نكرة، ومستدبر مضاف، فتعرف بالإضافة؛ لأنها لفظية, وهي لا تفيد التعريف، ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الحالة، وإنما صعد السطح لضرورة، فحانت منه التفاتة، كما في رواية البيهقي، فلمَّا رآه بلا قصد أحب أن لا يخليها من فائدة، بحفظ هذا الحكم الشرعي، وكأنَّه إنما رآه من جهة ظهره، حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة، من غير محذور، ودلَّ ذلك على شدة حرصه على تتبُّع أحواله -صلى الله عليه وسلم- ليتبعها، وكذا كان -رضي الله عنه، "رواه الشيخان", إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال ابن عمر: ارتقيت، فذكره، وادَّعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن استدبر في استقباله الكعبة, وفيه نظر، فقد قال قوم، منهم: النخعي، وابن سيرين، بالتحريم عملًا بحديث معقل الأسدي، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط. رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف؛ لأن فيه راويًا

الصفحة 563