كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وأما حديث جابر عند أحمد وأبي داود وابن خزيمة، ولفظه عند أحمد: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء. قال جابر: ثم رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة، فقال في فتح الباري:
الحقّ أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافًا لمن زعمه، بل هو محمول على أنه رآه في بناءٍ أو نحوه؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله -صلى الله عليه وسلم- لمبالغته في التستر. ودعوى خصوصية ذلك بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لا دليل عليها؛ إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال.
ومذهب الجمهور وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق: التفريق بين البنيان والصحراء، وهذا أعدل الأقوال؛ لإعمال جميع الأدلة.
وقال قوم بالتحريم مطلقًا، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد،
__________
مجهول الحال، وعلى تقدير صحته، فالمراد بذلك أهل المدينة؛ ومَنْ على سمتها؛ لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة، فالعلة استدبار الكعبة لا استبدبار بيت المقدس، قاله الحافظ.
"وأمَّا حديث جابر عند أحمد، وأبي داود، وابن خزيمة" وغيرهم، "ولفظه عند أحمد: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستدبر القبلة" أي: الكعبة، "أو نستقبلها بفروجنا، إذا أهرقنا الماء، قال جابر: ثم رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة، فقال في فتح الباري": في شرح حديث أبي أيوب: "الحق أنه ليس بناسخٍ لحديث النهي، خلافًا لمن زعمه"؛ إذ لا دليل على النسخ، ومجرَّد رؤيته يفعل خلاف النهي لا يدل عليه، وكان زاعمه قصد به دفع المعارضة، ولذا أضرب، فقال: "بل" الجمع بينهما ممكن، بلا دعوى نسخ؛ إذ "هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله -صلى الله عليه وسلم، لمبالغته في الستر"؛ ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد، وكذا رؤية جابر، هكذا في الفتح قبل قوله: "ودعوى خصوصية ذلك" أي: استقبال القبلة حال البول "بالنبي -صلى الله عليه وسلم، لا دليل عليها؛ إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال"، بل بالنص الصريح، وقد أمكن الجمع بدون دعوى الخصوصية، "ومذهب الجمهور وهو مذهب مالك؛ والشافعي، وإسحاق" بن راهويه، أحد الأئمة الذين دوّنت مذاهبهم: "التفريق بين البنيان"، فيجوز لحديث ابن عمر الصريح في جواز الاستدبار, وحديث جابر الدال على جواز الاستقبال، "و" بين "الصحراء"، فيمنع لحديث أبي أيوب، "وهذا أعدل الأقوال؛ لإعماله جميع الأدلة" بخلاف غيره، ففيه إلغاء أحدها، وقد تقرَّر عند الفقاء والمحدثين والأصوليين؛ أنه متى أمكن الجمع بين الدليلين جمع، "وقال قوم بالتحريم مطلقًا" في صحراء أو بنيان، "وهو المشهور عن أبي

الصفحة 564