كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

ورجَّحه من المالكية ابن العربي, وحجتهم أن النهي مقدَّم على الإباحة، ولم يصححوا حديث جابر المتقدّم.
وقال قوم بالجواز مطلقًا، وهو قول عائشة وعروة بن الزبير وربيعة، محتجين بأن الأحاديث تعارضت, فلنرجع إلى أصل الإباحة.
وفي البخاري عن أنس, كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام،
__________
حنيفة، وأحمد"، وقال به أبو نور صاحب الشافعي، "ورجّحه من المالكية ابن العربي"، ومن الظاهرية ابن حزم، "وحجّتهم أن النهي" في حديث أبي أيوب "مقدَّم على الإباحة" التي دل عليها حديث ابن عمر، "ولم يصحّحوا حديث جابر المتقدم" الصريح في النهي، ولكن قد صححه ابن خزيمة وابن حبان.
"وقال قوم بالجواز مطلقًا، وهو قول عائشة، وعروة بن الزبير، وربيعة" بن أبي عبد الرحمن، وداود، "محتجّين بأن الأحاديث تعارضت، فلنرجع إلى أصل الإباحة"، ويردّ عليهم: إن محل ذلك ما لم يمكن الجمع، وقال قوم بجواز الاستدبار دون الاستقبال، حُكِيَ عن أبي حنيفة وأحمد, وتمسَّكوا بحديث ابن عمر، فخصَّصوا به عموم حديث أبي أيوب، ولم يصحّحوا حديث جابر، ولم يلحقوا الاستقبال بالاستدبار قياسًا؛ لأنه لا يصح، وقيل بجواز الاستدبار في البنيان فقط؛ لحديث ابن عمر، وهو قول أبي يوسف، وقيل بعموم التحريم حتى القبلة المنسوخة، وقيل: يختص التحريم بأهل المدينة ومَنْ على سمتها، أما مَنْ قبلته المشرق أو المغرب، فيجوز له الاستدبار والاستقبال مطلقًا؛ لعموم وله: "شرقوا أو غربوا"، "وفي البخاري، عن أنس, كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج" من بيته، أو من بين الناس "لحاجته"، أي: البول أو الغائط، ولفظ: كان, يشعر بالتكرار والاستمرار، "أجيء أنا وغلام"، زاد في رواية للبخاري منّا، أي: من الأنصار؛ وبه صرَّح الإسماعيلي، ولمسلم: نحوي، أي: مقارب لي في السن، والغلام هو المترعرع، قاله أبو عبيد، وفي المحكم: من لدن الفطام إلى سبع سنين، وفي الأساس: الغلام الصغير إلى حد الالتحاء، فإن قيل له بعده غلام فمجاز، قيل: الغلام ابن مسعود؛ لقول أبي الدرداء، لعلقمة بن قيس: أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوساد -يعني: ابن مسعود- الحديث في الصحيح، فيكون أنس سماه غلامًا مجازًا، ويكون معنى قوله: منا، أي: من الصحابة، أو من خدمه -صلى الله عليه وسلم؛ وقوله في رواية الإسماعيلي: من الأنصار؛ لعلها من تصرُّف الراوي، رأى في الرواية منا، فحملها على القبيلة، فرواها بالمعنى، أو لأنَّ إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ، وإن خصه العرف بالأوس والخزرج؛ لكن يبعده رواية مسلم: غلام نحوي، فوصفه بالصغر، ويحتمل أنه أبو هريرة، فعنه, كان النبي -صلى الله عليه وسلم، إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى؛ ويؤيّد ما رواه البخاري في ذكر

الصفحة 565