كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

ومعنا إداوة من ماء -يعني: يستنجي به. وفي رواية مسلم عنه: فخرج علينا وقد استنجى بالماء.
وعن أبي هريرة قال: اتبعت النبي -صلى الله عليه وسلم, وخرج لحاجته, فقال: "ابغني أحجارًا أستنفض بها
__________
الجن عن أبي هريرة، أنَّه كان يحمل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الإداوة لوضوئه وحاجته، ويكون المراد بقول أنس: نحوي، أي: في الحال، لقرب عهده بالإسلام, ويحتمل أنه جابر؛ ففي مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- انطلق لحاجته, فاتبعه جابر بإداوة، ولا سيما وجابر أنصاري، ووقع للإسماعيلي في روايته: فاتبعته وأنا غلام -بتقديم الواو- فتكون حالية، لكن تعقَّبها الإسماعيلي بأن الصحيح: أنا وغلام بواو العطف، "ومعنا إداوة" بكسر الهمزة- إناء صغير من جلد مملوءة "من ماء"، وورد أنَّ إذا للاستقبال وخرج للمضي، فلا يصح هنا؛ إذ الخروج قد وقع؛ وأجيب بأنَّ إذا هنا لمجرد الظرفية، فالمعنى: تبعته حين خرج، أو هو حكايةً للحال الماضية، "يعني: يستنجي به".
زعم الأصيلي أنَّ قائل ذلك هشام بن عبد الملك، شيخ البخاري، فيه، وقد رواه بعده عن شيخه سليمان بن حرب، فقال: يستنجي بالماء، ورواه عن محمد بن جعفر بلفظ: إذ تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به، "وفي رواية مسلم، عنه" أنس "فخرج" النبي -صلى الله عليه وسلم "علينا، وقد استنجي بالماء"، وللإسماعيلي: فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي -صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: فبان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس، لا من قول هشام، كما ادَّعى الأصيلي، وأنه يحتمل أن الماء لوضوئه، فقد انتفى هذا الاحتمال بهذه الروايات، وهي تَرُدّ أيضًا زعم أبي عبد الملك البوني: إن قوله: يستنجي بالماء، مدرج من قول عطاء، راويه عن أنس، "وعن أبي هريرة قال: اتبعت النبي" بتشديد المثناة، أي: سرت وراءه "صلى الله عليه وسلم, و" قد "خرج لحاجته"، جملة وقعت حالًا، فلابُدَّ فيها من قد ظاهرة أو مقدرة، قاله المصنف. فظاهره أن لفظ: قد, لم يقع في رواية، فما في نسخ هنا من زيادتها لا يعتمد، وأسقط الراوية: كان لا يلتفت وراءه، فدنوت منه. زاد الإسماعيلي: أستأنس وأتنحنح، فقال: "من هذا"؟ فقلت: أبو هريرة، "فقال: "ابغني" بهمزة وصل ثلاثي، أي: اطلب لي، يقال: بغيتك الشيء، أي: طلبته لك، وبهمزة قطع إذا كان من المزيد، أي: أعني على الطلب، يقال: أبغيك الشيء، أي: أعنتك على طلبه؛ وهما روايتان.
قال الحافظ: والوصل أليق بالسياق، ويؤيده رواية الإسماعيلي: "آتني"، وفي رواية: أبغ لي -بهمزة قطع، ولام بعد المعجمة بدل النون، "أحجارًا" مفعول ثان، لأبغني، أو آتني من آتاه بالمد أعطاه، والمعنى هنا ناولني أحجارًا "استنفض بها" بفاء مكسورة وضاد معجمة، مجزوم

الصفحة 566