كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده, فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: "هذا ركس". رواه البخاري.
وفي حديث سلمان عند مسلم مرفوعًا: "لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة
__________
الحديث جواز اتباع السادات، وإن لم يأمروا بذلك، واستخدام الإمام بعض رعيته، والإعراض عن قاضي الحاجة، والإعانة على إحضار ما يستنجي، وإعداده عنده، كي لا يحتاج إلى طلبه بعد الفراغ، فلا يأمن التلويث، "وعن عبد الله بن مسعود قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغائط"، أي: الأرض المطمئنة لقضاء الحاجة، فالمراد به معناه اللغوي، "فأمرني أن آتيته بثلاثة أحجار، فوجدت"، أي: أصبت "حجرين، والتمست"، أي: طلبت الحجر "الثالث، فلم أجده"، بالضمير المنصوب، أي: الحجر الثالث، وفي رواية: بحذف الضمير، "فأخذت روثة" زاد في رواية ابن خزيمة: وكانت روثة حمار، ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير؛ "فأتيته بها, فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: "هذا ركس" بكسر الراء، وإسكان الكاف- قيل لغة في رجس -بالجيم، ويدل عليه رواية ابن ماجه، وابن خزيمة -بالجيم, ويؤيده أيضًا رواية الترمذي: "هذا ركس" يعني: نجسًا، وقيل: الرجس: الرجع، رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة، قاله الخطابي وغيره، والأَوْلَى أن يقال: رد من حالة الطعام إلى حالة الروث.
قال ابن بطال: لم أجد هذا الحرف في اللغة، يعني: الركس -بالكاف، وتعقَّبه أبو عبد الملك بأن معناه الردّ، كما قال تعالى: {أُرْكِسُوا فِيهَا} [النساء: 91] ، أي: ردوا، فكأنه قال: هذا رد عليك، انتهى.
ولو ثبت ما قاله، لكان بفتح الراء، يقال: أركسه ركسًا إذ ردَّه، وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث: الركس طعام الجن، وهذا إن ثبت لغة، فهو يزيح الإشكال، قاله الحافظ، وذكر اسم الإشارة الراجع للروثة؛ باعتبار تذكير الخبر كقوله تعالى: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76، 77] ، وفي رواية: هذه ركس على الأصل، ووجه إتيانه بالروثة مع أمره بالأحجار: أنه قاسها على الحجر بجامع الجمود، فقطع -صلى الله عليه وسلم- قياسه بالفرق، أو بإبداء المانع بقوله: "هذا ركس"، وإن كان قياسه لضرورة عدم المنصوص عليه؛ "رواه"، أي: المذكور من حديثي أبي هريرة، وابن مسعود "البخاري" في الطهارة وغيرها، ويقع في كثير من نسخ المصنف سقوط: وقال: "هذا ركس" , في بعضها ثبوتها، وهو أحسن؛ إذ هي في البخاري، "وفي حديث سليمان" الفارسي، "عند مسلم مرفوعًا"، بمعنى، قال -صلى الله عليه وسلم: "لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار"؛ فنهيه وافق أمره لابن

الصفحة 568