كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

ولا نشرك به شيئا, ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون, رواه البخاري.
وكان -صلى الله عليه وسلم- أرسل هذا الكتاب مع دحية في آخر سنة ست، بعد أن رجع من الحديبية، كما قاله الواقدي. ووقع في تاريخ خليفة أن إرساله كان سنة خمس، والأول أثبت، بل هذا غلط لتصريح أبي سفيان بأن ذلك كان في مدة
__________
بالعبادة، ونخلص له فيها، "لا نشرك به شيئا"، لا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة، ولا نراه أهلا لأن يعبد، "ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله"، فلا نقول: عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله, ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل؛ لأن كلا منهم بشر مثلنا، "فإن تولوا" عن التوحيد، "فقولوا: اشهدوا بأنا مسلمون"، أي: لزمتكم الحجة، فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب، وتطابقت عليه الرسل.
قال الحافظ: وقد اشتملت هذه الجملة القليلة التي تضمنها بعض هذا الكتاب على الأمر بقوله: أسلم والترغيب بقوله: تسلم ويؤتك، والزجر بقوله: فإن توليت، والترهيب بقوله: فإن عليك، والدلالة بقوله: يا أهل الكتاب، وفي ذلك من البلاغة ما لا يخفى، وكيف لا وهو كلام من أوتي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم- قال: واستنبط منه شيخنا، شيخ الإسلام، يعني البلقيني أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح، لأن هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل، بل ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قال لهم: يا أهل الكتاب، فدل على أن لهم حكمهم، خلافا لمن خص ذلك بالإسرائيليين، أو بمن علم أن سلفه دخل اليهودية، أو النصرانية قبل التبديل.
"رواه البخاري" في مواضع كثيرة، وأخرجه مسلم في المغازي، وهو من جملة حديث طويل مشهور.
وعندي ابن أبي شيبة من مرسل ابن المسيب: أن هرقل لما قرأه، قال: هذا كتاب لم أسمعه بعد سليمان، كأنه يريد الابتداء بالبسملة، "وكان -صلى الله عليه وسلم- أرسل هذا الكتاب مع دحية في آخر سنة ست, بعد أن رجع من الحديبية"، وكان وصوله إلى هرقل في المحرم سنة سبع، "كما قاله الواقدي" بما زدته، كما في الفتح قائلا: "ووقع في تاريخ خليفة" بن خياط بن خليفة العصفري البصري الحافظ, أحد شيوخ البخاري.
قال ابن عدي: له حديث وتاريخ حسن، وكتاب في طبقات الرواة، وهو مستقيم الحديث، صدوق متيقظ، مات سنة أربعين ومائتين، "أن إرساله كان سنة خمس، والأول أثبت، بل هذا غلط لتصريح أبي سفيان" بن حرب، راوي الحديث، "بأن ذلك كان في مدة

الصفحة 8