كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 5)

صلح الحديبية كما في حديث البخاري، في المدة التي كان -عليه الصلاة والسلام- مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، يعني: مدة صلح الحديبية، وكانت سنة ست اتفاقا.
ولم يقل -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل ملك الروم؛ لأنه معزول بحكم الإسلام، ولم يخله من الإكرام لمصلحة التأليف.
وقوله: يؤتك الله أجرك مرتين، أي: لكونه مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم.
وقوله: فإن عليك إثم الأريسين أي: فإن عليك مع إثمك إثم الأتباع, بسبب أنهم اتبعوك على استمرار الكفر.
__________
صلح الحديبية، كما في حديث البخاري" عن أبي سفيان: إن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام "في المدة التي كان عليه الصلاة والسلام مادّ" بشد الدال من مادد، فأدغم الأول في الثاني من المثلين، "فيها أبا سفيان، وكفار قريش"، بالنصب مفعولا معه، أو عطفا على المفعول به، أعني أبا سفيان، "يعني مدة صلح الحديبية، وكانت سنة ست اتفاقا"، فكيف يتأتى قول خليفة سنة خمس؟
"ولم يقل -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل ملك الروم؛ لأنه معزول" عن الملك "بحكم الإسلام"، ولا سلطنة لأحد إلا من قبله -صلى الله عليه وسلم، "و" لكنه "لم يخله من الإكرام"، ويذكر اسمه مجردا، بل قال: عظيم، أو صاحب "لمصلحة التأليف"، فلاطفه بالقول اللين، كما قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] ، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125] ، "وقوله: يؤتك الله أجرك مرتين، أي: لكونه مؤمنا بنبيه" عيسى عليه السلام، "ثم آمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم"، وهو موافق لقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 54] ، ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إن إسلامه يكون سببا لدخول أتباعه، وصرح بذلك في حديث الشعبي، كما في الفتح، "وقوله: فإن عليك إثم الأريسين" بالهمزة، وفي رواية: اليريسين، بقلبها ياء، جمع يريس، بوزن كريم، وفي أخرى: اليريسيين بشد الياء بعد السين، جمع يريسيّ، وفي أخرى حكاها صاحب المشارق وغيره: الأرّيسين بشد الراء.
قال ابن الأعرابي: أرس يارس بالتخفيف فهو أريس, وأرّس بالتشديد يؤرس فهو أريس، وفي أخرى: الأرسين بتحتانية واحدة، وفي الكلام حذف دل عليه المعنى، "أي: فإن عليك مع إثمك إثم الأتباع, بسبب أنهم اتبعوك على استمرار الكفر"، فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى, وهذا يعد من مفهوم الموافقة، ولا يعارض هذا قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ؛

الصفحة 9