كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

فالهمزة أُمُّ هذا الباب، والغالبةُ عليه، وقد يشترك الحرفان، ويكون أحدُهما أقوى في ذلك المعنى، وأكثرَ تصرّفًا من الآخر، فلذلك قال في الهمزة: "والهمزة أعمّ تصرّفًا في بابها من أُختها"، وذلك إذا كانت يلزمها الاستفهامُ، وتقع مواقعَ لا تقع أُختُها فيها، ألا ترى أنّك تقول: "أزيدٌ عندك أم عمرٌو؟ " والمراد: أيُّهما عندك؟ فـ "أمْ" ها هنا مُعادِلةٌ لهمزة الاستفهام. ولا تُعادَل "أمْ " في هذا الموضع بغير الهمزة على ما سبق، ولا يُقال في هذا المعنى: "هل زيد عندك أم عمرٌو؟ " وتقول: "أزيدًا ضربتَ؟ " فتقدِّم المفعول، وتفصل به بين همزة الاستفهام والفعل، ولا يجوز ذلك في غيرها ممّا تستفهم به، فلا تقول: "هل زيدًا ضربت؟ " ولا "متى زيدًا ضربت؟ " وقد تقدّم ذكرُ ذلك.
وتُقرّر بالهمزة، فتقول: "أتَضرب زيدًا، وهو أخوك؟ " فهذا تقريرٌ على سبيل الإنكار. ولا يُستعمل غير الهمزة في هذا ومنه قولُه تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُم؟} (¬1)، وقوله: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬2). وكذلك إذا قيل لك: "رأيتُ زيدًا"، وأردتَ أن تستثبت ذلك؟ قلت: "أزيدَنِيهْ؟ " أو"أزيدًا؟ " وكذلك لو قال: "مررت بزيد"، قلت: مستثبتًا: "أزيدِنِيهْ؟ " أو "أبزيدٍ؟ " فتحكي الكلامَ. ولا يجوز مثلُ ذلك بـ "هَلْ" ونحوِها ممّا يُستفهم به.
ولقوّتها وغلبتِها وعموم تصرُّفها، جاز دخولُها على الواو والفاء و"ثمَّ" من حروف العطف، فالواوُ نحو قوله تعاَلى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (¬3) والفاءُ نحو قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} (¬4)، وقوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} (¬5)، وقوله: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} (¬6). و"ثُم" نحو قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} (¬7). ولا يتقدّم شيء من حروف الاستفهام وأسمائه غيرُ الهمزة على حروف العطف، بل حروفُ العطف تدخل عليهنّ، كقولك: "وهل زيد قائمٌ؟ " وقوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬8). وقال الشاعر [من الخفيف]:
1167 - لَيتَ شِعْرِي هل ثُم هل آتِيَنْهُمْ ... أو يَحُولَنَّ دون ذاك حِمامِي
¬__________
(¬1) الأعراف: 172.
(¬2) المائدة: 116.
(¬3) البقرة: 100.
(¬4) الأعراف: 97.
(¬5) البقرة: 85.
(¬6) هود: 17، ومحمَّد: 14.
(¬7) يونس: 51.
(¬8) هود: 14.
1167 - التخريج: البيت بلا نسبة في تذكرة النحاة ص 443؛ وشرح عمدة الحافظ ص 571.
اللغة والمعنى: الحمام: الموت.
يتمنى لو يصل إلى أحبائه، أو يمنعه الموت من هذا الوصول.
الإعراب: "ليت": حرف مشبَّه بالفعل. "شعري": اسم "ليت" منصوب بفتحة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، والياء: ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه، وخبر "ليت" محذوف وجوبًا تقديره:=

الصفحة 100