كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

فقد حمله سيبويه (¬1) على إرادةِ "إما" أيضًا، و"إنْ" فيه محذوفةٌ من "إما"، يريد: وإما من خريف. ولا يجوز طرح "ما" من "إمَّا" إلَّا في ضرورة. وقدر ذلك أبو العباس المبرد من الغلط، فقال: "ما" لا يجوز إلغاؤُها إلَّا في غاية من الضرورة. ولا يجوز أن يُحمَل الكلام على الضرورة ما وُجد عنه مندوحةٌ، مع أن "إما" يلزمها أن تكون مكررة، وهاهنا جاءت مرةً واحدةً. قال أبو العباس: لو قلت: "ضربتُ إمّا زيدًا"، لم يجز؛ لأن المعنى: إما هذا، وإما هذا. وصحةُ مَحْمَله على ما ذهب إليه الأصمعى أنها "إن" الجزائية. والمراد: وإن سقته من خريف، فلن يعدم الري، ولم يحتج إلى ذكرِ "سقته" مرة ثانية؛ لقوله: "سقته الرواعد من صيف"، كأنه اكتفى بذكره مرة واحدة. ولا يبعد ما قاله سيبويه، وإن كان الأول أظهرَ، فيكون اكتفى بـ "إِمَّا" مرة واحدة، وحذف بعضها، كأنه حملها على "أوْ" ضرورة، وتكون الفاء عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول جوابَ الشرط. ونظيرُ استعماله "إما" هنا من غير تكرير قولُ الفرزدق [من الطويل]:
1138 - تُهاضُ بدار قد تَقادم عَهْدُها ... وإما بأمْوات ألَم خَيالُها
* * *
¬__________
= اللغة: الرواعد: السحب التي تكون مصحوبة بالرعد. الصيف: مطر يهطل صيفًا.
المعنى: يتحدّث عن وعل ذكره في أبيات سابقة، فقد هطلت الأمطار في الصيف فشرب منها وارتوى، ولن يعدم الماء في فصل الخريف كذلك.
الإعراب: "سقته": فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة، والتاء: للتأنيث، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "الرواعد": فاعل مرفوع بالضمّة. "من صيف": جار ومجرور متعلقان بـ "سقته" "وإن": الواو: للعطف، "إن": حرف تفصيل، أصلها "إمّا". "من خريف": جار ومجرور متعلقان بـ "سقته". "فلن": الفاء: للاستئناف، "لن": حرف نصب ونفي. "يعدما": فعل مضارع منصوب بالفتحة، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو، والألف: للإطلاق.
جملة "سقته": استئنافيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة "يعدما": استئنافية أيضًا، أو تعليلية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "وإن من" حيث حذف "ما" في الشطر الثاني، وكان قد حذف "إما" من الشطر الأول. "وإما": تتكرّر، والحذف ضرورة. والصواب قوله: "سقته الرواعد إما من صيّف وإما من خريف".
(¬1) الكتاب 1/ 267.
1138 - التخريج: البيت لذي الرمة في ملحق ديوانه ص 1902؛ وشرح شواهد المغني 1/ 193؛وشرح عمدة الحافظ ص 642؛ والمقاصد النحوية 4/ 150؛ وللفرزدق في ديوانه 2/ 71؛ والمنصف 3/ 115، ولذي الرمة أو للفرزدق في خزانة الأدب 11/ 76، 78؛ والدرر 6/ 124؛ وبلا نسبة في الأزهية ص 142؛ والجنى الداني ص 533؛ ورصف المباني ص 102؛ وشرح الأشموني 2/ 426؛ والمقرب 1/ 132؛ وهمع الهوامع 2/ 135.
اللغة: تهاض بدار: تنكسر بها قليلًا. تقادم عهدها: بعد زمن معرفتها أو بنائها. ألم خيالها: طاف.
المعنى: فإما أن ينزل خيالي بدار الأحبة التي هجرت منذ زمن بعيد، وإما أن يستعرض أشخاصًا أحبهم قد ماتوا، فتبقى روحي حزينة منكسرة. =

الصفحة 23