كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)
بحصول مضمونهما، لئلّا يظنّ المخاطب أن المراد الجملة الثانية، وأن ذِكْرَ الأولى كالغلط، كما تقول في بدل الغلط: "جاءني زيدٌ عمرٌو"، و"مررت برجل ثوب"، فكأنّهم أرادوا إزالةَ هذا التوهّم بربط إحدى الجملتين بالأُخرى بحرف العطف، ليصير الإخبار عنهما إخبارًا واحدًا.
وقوله: "ثمّ تفترق بعد ذلك"، يريد أنّها تشترك في العطف، وهو الاتّفاق في عمل العامل، ثمّ تفترق بعدُ في معان أُخر على حسب اختلاف معاني العطف على ما سيأتي مفصَّلًا حرفًا حرفًا إن شاء الله.
فصل [الواو]
قال صاحب الكتاب: فالواو للجمع المطلق من غير أن يكون المبدوء به داخلاً في الحكم قبل الآخر، ولا أن يجتمعا في وقت واحد، بل الأمران جائزان، وجائز عكسهما, نحو قولك: "جاءني زيد اليوم وعمرو أمس"، و"اختصم بكر وخالد"، و"سيان قعودك وقيامك". قال الله تعالى: {وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة} (¬1)، وقال: {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً} (¬2) والقصة واحدةٌ. قال سيبويه (¬3): ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون أولى بها من الحمار, كأنك قلت مررت بهما.
* * *
قال الشارح: لمّا ذكر عدّة حروف العطف، أخذ في الكلام على معانيها وتفسيرِها مفصّلةً، وإنّما فُسِّرت معانيها ليتحصّل حكمُها في العطف، ألا ترى أن قولك: "جاءني زيدٌ وعبدِ الله"، إذا أردت القسمَ، لم يجز العطف بها؟ فعلمتَ أنّه لا بدّ من مُراعاة معاني هذه الحروف حتى يجب الحكمُ بالعطف. فلذلك ذُكرت معانيها في كُتُب النحو، وإن لم تكن كتبَ تفسيرِ غريبٍ.
فمن ذلك الواو، وهي أصل حروف العطف. والدليل على ذلك أنها لا توجب إلَّا الاشتراكَ بين شيئين فقط في حكم واحد، وسائرُ حروف العطف توجب زيادة حكم على ما توجبه الواوُ. ألا ترى أن الفاء توجب الترتيب، و"أوْ" الشكَّ وغيرَه، و"بَلْ" الإضرابَ.
فلمّا كانت هذه الحروف فيها زيادةُ معنى على حكم الواو، صارت الواو بمنزلة الشيء المفرد، وباقي حروف العطف بمنزلة المركّب مع المفرد. فلهذا صارت الواو أصل حروف العطف، فهي تدلّ على الجمع المطلق، إلَّا أن دلالتها على الجمع أعمُّ من
¬__________
(¬1) البقرة: 58.
(¬2) الأعراف: 161.
(¬3) الكتاب 1/ 437.
الصفحة 6
576