كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

قال الشارح: وقد تزاد "أن" المفتوحةُ أيضًا توكيدًا للكلام، وذلك بعد "لَما" في قولك: "لما أن جاء زيدٌ قمتُ"، والمراد: لما جاء زيدٌ قمتُ. قال الله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} (¬1)، فـ "أنْ" فيه مؤكدةٌ بدليل قوله تعالى في سورة هُودِ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} (¬2)، والقصةُ واحدة. وقالوا: "أمَا واللهِ أنْ لو فعلتَ لَفعلتُ"، وذلك في القسم إذا أُقسِم على شيء في أوّله، فيقع في جواب القسم، ولا يقع جوابًا له في غير ذلك، فاعرفه.

فصل [زيادة "ما"]
قال صاحب الكتاب: و"غضبت من غير ما جُرم"، و"جئت لأمر ما"، و"إنما زيدًا منطلق"، و"أينما تجلس أجلس"، و"بعين ما أرينك" (¬3). وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (¬4)، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ} (¬5)، وقال تعالى: {عما قليل} (¬6)، وقال تعالى: {أيما الأجلين قضيت} (¬7)، وقال: {وإذا ما أنزلت سورة} (¬8)، وقال: {مثل ما أنكم تنطقون} (¬9).
* * *
قال الشارح: قد زيدت "ما" في الكلام على ضربين: كافةً، وغير كافة. ومعنى الكافة أن تكف ما تدخل عليه عما كان يُحدِث فيه قبل دخولها من العمل. وقد دخلت كافة على الكلم الثلاث: الحرفِ والاسمِ والفعلِ.
أمّا دخولُها على الحرف للكف، فعلى ضربين: أحدُهما أن تدخل عليه، فتمنعه العملَ الذي كان له قبلُ، وتدخل على ما كان دخل عليه قبل الكف غيرَ عامل فيه، نحوَ قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (¬10)، و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} (¬11) و "كأنما زيدٌ أسدٌ"، و"لَعَلَّمَا أنتَ حالمٌ" (¬12). والآخرُ أن تدخل على الحرف، وتكفه عن عمله، وتُهيِّئه للدخول على ما لم يكن يدخل عليه قبل الكف. وذلك نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
¬__________
(¬1) العنكبوت: 33.
(¬2) هود: 77.
(¬3) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال 1/ 236؛ وخزانة الأدب 11/ 403؛ ولسان العرب 13/ 301 (عين)؛ ومجمع الأمثال 1/ 100؛ والمستقصى 2/ 111.
(¬4) النساء: 155.
(¬5) آل عمران: 159.
(¬6) المؤمنون: 40.
(¬7) القصص: 28.
(¬8) التوبة: 127.
(¬9) الذاريات: 23
(¬10) النساء: 171.
(¬11) النازعات: 45.
(¬12) هذا القول جزء من بيت، وقد تقدم بالرقم 1099.

الصفحة 67