كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

لمجرّد التأكيد من غيرِ إحداثِ معنى، كما كانت "ما"، و"إنْ" ونحوُهما كذلك في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (¬1) وقوله [من الوافر]:
فما إن طِبّنا جُبُنٌ (¬2)
وزيادتُها قد جاءت في موضعَيْن: أحدهما: أن تزاد مع الفضلة، وأعني بالفضلة المفعول وما أشبهه، وهو الغالب عليها. والآخرُ: أن تزاد مع أحد جزأي الجملة التي لا تنعقد مستقلّةً إلَّا به. فأمّا زيادتها مع المفعول، فنحو قوله تعالي: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬3)، والمراد: أيدِيَكم. ألا ترى أنّ الفعل متعدٍّ بنفسه، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (¬4) و {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (¬5)؛ ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (¬6)، والمراد: ألم يعلم أن الله يرى، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (¬7). ومن ذلك قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (¬8)، والمراد: تنبت الدهنَ. ألا ترى أنّه مِن "أنبَتَ"؟ فالهمزةُ فيه للنقل، وإذا كاَنت كذلك، فلا يُجْمَع بينها وبين الباء، فإنّه لا يجوز أن يُقال: "أذهَبتُ بزيدٍ"؛ لأن أحدهما يُغْنِي عن الآخر.
وقد ذهب قومٌ إلى أن الباء هنا ليست زائدة، وأنهّا في موضع الحال، والمفعولُ محذوف، والمعنى: تنبِت ما تُنبِته ودُهْنُه فيه، كما يُقال: "خرج زيدٌ بثيابه"، أي: وثيابُه عليه، وركب بسيفه. ومنه قول الشاعر [من المتقارب]:
ومُستَنَّة كاستِنانِ الخَرُوف ... قد قَطَعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ (¬9)
أي: ومرودُه فيه.
وأمّا المُشابِة للمفعول؛ فقد زيدت في خبر "لَيسَ"، و"ما" لتأكيد النفي. قالوا: "ليس زيدٌ بقائم"، أي: قائمًا. قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟} (¬10)، أي: كافِيًا عبدَه. وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟} (¬11)، أي ربَّكم. وقال: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬12)، أي: طاردَ المؤمنين، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (¬13)، أي: مؤمنًا لنا.
وأمّا زيادتها مع أحد جزءَي الجملة، ففي ثلاثة مواضع:
أحدُها: مع الفاعل قالَ: {وَكَفَى بِاللَّهِ} (¬14) فالباءُ وما عملتْ فيه في موضعِ
¬__________
(¬1) آل عمران: 159.
(¬2) تقدم بالرقم 821.
(¬3) البقرة: 195.
(¬4) النحل: 15، ولقمان: 10.
(¬5) آل عمران: 151.
(¬6) العلق: 14.
(¬7) النور: 25.
(¬8) المؤمنون:20. وهي قراءة ابن كثير ورويس وابن محيصن. انظر: البحر المحيط 6/ 401: والكشاف 3/ 29؛ والنشر في القراءات العشر 2/ 328؛ ومعجم القراءات القرآنية 4/ 205.
(¬9) تقدم بالرقم 1073.
(¬10) الزمر: 36.
(¬11) الأعراف: 172.
(¬12) الشعراء: 114.
(¬13) يوسف: 17.
(¬14) الرعد: 43؛ والإسراء: 96.

الصفحة 78