كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

فصل ["أن"]
قال صاحب الكتاب: وأما "أن" المفسرة, فلا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول, كقولك: "ناديته أن قم"، و"أمرته أن اقعد"، و"كتبت إليه أن ارجع", وبذلك فُسّر قوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} (¬1)، وقوله تعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم} (¬2).
* * *
قال الشارح: وقد تكون "أنْ" بمعنَى "أيْ" للعبارة والتفسير، وذلك أحدُ أقسامها، نحوُ قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} (¬3)، معناه: أي امْشُوا؛ لأنّ انطلاقهم قام مقام قولهم: "امشوا"، ولهذا فُسِّر به. وقد اختلفوا في معنى المشي في الآية، فقال قوم: المراد بالمشي النَّماءُ والكثرةُ، كما قال الحُطَيْئة [من الوافر]:
1163 - فَمَا مَن وَسْطَهُمْ وُيقِيمُ فيهم ... وَيمْشِي إن أُرِيدَ به المَشاءُ
والذي عليه الأكثرُ أن المراد بالمشي الحركةُ السريعةُ؛ لئلا يسمعوا القرآنَ وكلامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُعاينوا بَراهِينَه. والذي يدل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ
¬__________
(¬1) ص:6
(¬2) الصافات: 104.
(¬3) ص:6.
1163 - التخريج: البيت للحطيئة في ديوانه ص55؛ ولسان العرب 15/ 282 (مشى)؛ وتهذيب اللغة 11/ 349؛ وتاج العروس (مشى)، وبلا نسبة في المخصص 12/ 278.
اللغة والمعنى: المشاء: الكثرة والنماء.
أراد: ليس القائد موجودًا وسطهم، يحكمهم ويسير بهم نحو الخير الوفير.
الإعراب: "فما": الفاء: بحسب ما قبلها، "ما": نافية عاملة عمل "ليس". "من": اسم موصول مبني في محلّ رفع اسم "ما". "وسطهم": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، متعلّق بفعل محذوف، بتقدير: فما من حل وسطهم، وهو مضاف، و"هم": ضمير متصل مبني في محل جرّ مضاف إليه. "ويقيم": الواو: حرف عطف، "يقيم": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو. "فيهم": جارّ ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهم. "ويمشي": الواو: حرف عطف، "يمشي": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء للثقل، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو."إن": حرف شرط جازم. "أريد": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. "به": جارّ ومجرور متعلّقان بالفعل قبلهما. "المشاء": نانب فاعل مرفوع بالضمّة.
وجملة "فما من .. ": بحسب الفاء. وجملة "حلّ" المحذوفة: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يقيم": معطوفة عليها، وكذلك جملة "يمشي": لا محل لها من الإعراب. وجملة "أريد به المشاء": في محل جزم فعل الشرط.
والشاهد فيه قوله: "إن أريد به المشاء" حيث أراد الكثرة والنماء، لا المسير العادي.

الصفحة 83