كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 5)

وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} (¬1)، وكذلك قوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} (¬2)، فـ "أنْ" بمعنى "أيْ"، وهو تفسيرُ "ما أمرتني به"؛ لأن الأمر في معنى القول.
ولـ"أنْ" هذه إذا كانت تفسيرًا ثلاثُ شرائط:
أوّلُها: أن يكون الفعل الذي تُفسِّره وتُعبِّر عنه فيه معنى القول، وليس بقول.
الثاني: أن لا يتّصل بـ "أنْ" شيءٌ من صلة الفعل الذي تفسّره, لأنّه إذا اتصل بها شيءٌ من ذلك، صارت من جملته، ولم تكن تفسيرًا له، وذلك نحو قولك: "أوْعزتُ إليه بأنْ قُمْ"، و"كتبتُ إليه بان قُم"؛ لأن الباء ها هنا متعلّقة بالفعل. وإذا كانت متعلّقة به، صارت من جملته، والتفسيرُ إنما يكون بجملة غير الأوُلى.
والثالثُ: أن يكون ما قبلها كلامًا تامًّا؛ لِما ذكرناه من أنّها وما بعدها جملة مفسّرةٌ جملةً قبلها، ولذلك قالوا في قوله تعالى: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3): إِن "أنْ" فيه مخفّفة من الثقيلة، والمعنى: أنّه الحمدُ لله، ولا تكون تفسيرًا؛ لأنّه ليس قبلها جملةٌ تامّة، ألا ترى أنك لو وقفتَ على قوله: وَ {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} لم يكن كلامًا؟ وأمّا قوله: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} (¬4) "أنْ" فيه بمعنى "أيْ"؛ لأن النداء قول، و"ناديناه" كلامٌ تامٌّ.
¬__________
(¬1) الإسراء: 46.
(¬2) المائدة: 117.
(¬3) يونس:10.
(¬4) الصافات: 104.

الصفحة 84