كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

فَالْجَوَابُ- إِنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْأَحْكَامِ اسْتَثْنَيْنَاهُ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّائِطِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ: لَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِاللِّوَاطِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا لَعِبَ بِالصَّبِيِّ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. قَالَ: إِذَا تَلَوَّطَ بِابْنِ امْرَأَتِهِ «1» أَوْ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا لَاطَ بِغُلَامٍ وَوُلِدَ لِلْمَفْجُورِ بِهِ بِنْتٌ لَمْ يَجُزْ لِلْفَاجِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، لِأَنَّهَا بِنْتُ مَنْ قَدْ دَخَلَ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. السَّادِسَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) تَخْصِيصٌ لِيُخْرِجَ عَنْهُ كُلَّ مَنْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَبَنَّاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلصُّلْبِ. وَلَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةَ زَيْدِ ابن حَارِثَةَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ! وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبَنَّاهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي (الْأَحْزَابِ «2»). وَحَرُمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنَ الرَّضَاعِ- وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصُّلْبِ- بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى قوله عليه السلام: (يحرم الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ). السَّابِعَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) مَوْضِعُ (فَإِنْ) رَفْعٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ). وَالْأُخْتَانِ لَفْظٌ يَعُمُّ الْجَمِيعَ بِنِكَاحٍ وَبِمِلْكِ يَمِينٍ. وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَنْعِ جَمْعِهِمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مِنَ النِّكَاحِ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تَعْرِضُنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ). وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَذَهَبَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بالملك في الوطي، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَابْنَتُهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً. وَاخْتَلَفُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى أُخْتِ الْجَارِيَةِ الَّتِي وَطِئَهَا «3»، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِلْكُ الْيَمِينِ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: مَنْ جَعَلَ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ أَجَازَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ كَالْوَطْءِ لَمْ يُجِزْهُ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز العقد على أخت
__________
(1). في ب: بابن امرأة.
(2). راجع ج 14 ص 188.
(3). في ب: يطؤها.

الصفحة 116