كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

[سورة النساء (4): آية 24]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (24)
فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُحْصَناتُ) عَطْفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَذْكُورَاتِ قَبْلُ. وَالتَّحَصُّنُ: التَّمَنُّعُ، وَمِنْهُ الْحِصْنُ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ «1») أَيْ لِتَمْنَعَكُمْ، وَمِنْهُ الْحِصَانُ لِلْفَرَسِ (بِكَسْرِ الْحَاءِ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ الْهَلَاكِ. وَالْحَصَانُ (بِفَتْحِ الْحَاءِ): الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ لِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنَ الْهَلَاكِ. وَحَصُنَتِ الْمَرْأَةُ تَحْصُنُ فَهِيَ حَصَانٌ، مِثْلَ جَبُنَتْ فَهِيَ جَبَانٌ. وَقَالَ حَسَّانُ فِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ «2»
وَالْمَصْدَرُ الْحَصَانَةُ (بفتح الحاء) والحصن كالعلم «3». فالمراد بالمحصنات ها هنا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُحْصَنَةٌ أَيْ مُتَزَوِّجَةٌ، وَمُحْصَنَةٌ أَيْ حُرَّةٌ، وَمِنْهُ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ «4»). وَمُحْصَنَةٌ أَيْ عَفِيفَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) وَقَالَ: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ). وَمُحْصَنَةٌ وَمُحَصَّنَةٌ وَحَصَانٌ أَيْ عَفِيفَةٌ، أَيْ مُمْتَنِعَةٌ مِنَ الْفِسْقِ، وَالْحُرِّيَّةُ تَمْنَعُ الْحُرَّةَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَبِيدُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «5») أَيِ الْحَرَائِرَ، وَكَانَ عُرْفُ الْإِمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الزِّنَى، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَتْهُ: (وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ)؟ وَالزَّوْجُ أَيْضًا يَمْنَعُ زَوْجَهُ مِنْ أَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَهُ، فَبِنَاءُ (ح ص ن) مَعْنَاهُ المنع كما بينا. وستعمل الإحصان في الإسلام،
__________
(1). راجع ج 11 ص 320.
(2). تزن: تتهم. غرني: جائعة. والمراد أنها لا تغتاب غيرها.
(3). في كتب اللغة أنه مثلث الحاء.
(4). راجع ج 6 ص 75.
(5). راجع ج 12 ص 209

الصفحة 120