كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 5)

(عَلى هؤُلاءِ) إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَإِنَّمَا خُصَّ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْعَذَابِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِعِنَادِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمُعْجِزَاتِ، وَمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ. وَالْمَعْنَى فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) أَمُعَذَّبِينَ أَمْ مُنَعَّمِينَ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ. وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ أُمَّتِهِ. ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا رَجُلٌ مِنَ الأنصار عن المنهال ابن عمرو حدثه أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا تُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتُهُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَلِذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يَعْنِي بِنَبِيِّهَا (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً). وموضع (فَكَيْفَ) نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، التَّقْدِيرُ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْفِعْلُ الْمُضْمَرُ قَدْ يَسُدُّ مَسَدَّ (إِذا)، والعامل في (إِذا) (جِئْنا). و (شَهِيداً) حَالٌ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ قِرَاءَةِ الطَّالِبِ عَلَى الشَّيْخِ وَالْعَرْضِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ فِي سُورَةِ (لم يكن «1»)، إن شاء الله تعالى. [و (شَهِيداً) نصب على الحال «2» [.

[سورة النساء (4): آية 42]
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42)
ضُمَّتِ الْوَاوُ فِي (عَصَوُا) لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ (تَسَّوَّى) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ فِي السِّينِ. وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا خَفَّفَا السِّينَ. وَالْبَاقُونَ ضَمُّوا التَّاءَ وَخَفَّفُوا السِّينَ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلُ غَيْرُ مُسَمًّى. وَالْمَعْنَى لَوْ يُسَوِّي اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ. أَيْ يَجْعَلُهُمْ وَالْأَرْضَ سَوَاءً. وَمَعْنًى آخَرُ: تَمَنَّوْا لَوْ لَمْ يَبْعَثْهُمُ اللَّهُ وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ مِنَ التُّرَابِ نُقِلُوا. وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيةِ فَالْأَرْضُ فَاعِلَةٌ، وَالْمَعْنَى تَمَنَّوْا لَوِ انْفَتَحَتْ لَهُمُ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ لَوْ تُسَوَّى عَلَيْهِمْ أَيْ تَنْشَقُّ فَتُسَوَّى عَلَيْهِمْ، عَنِ الْحَسَنِ. فَقِرَاءَةُ التشديد على الإدغام، والتخفيف على
__________
(1). راجع ج 20 ص 142 ولم يأت بشيء.
(2). هذه الزيادة من ج ود وى.

الصفحة 198